الـمـسـتـنـدات بـرسـم الـتـحـصـيـل

[post-views]
18

الـمـسـتـنـدات بـرسـم الـتـحـصـيـل…حين يتولى أمرنا الجاهلون والفاسدون.
………………………………………………………………………………………….

 

بعد انقضاء أكثر من شهرين أمضاهما المجلس الرئاسي [وتحديداً ومن باب الإنصاف ليس الرئاسي كله بل السيد فائز السراج ومستشاريه الإقتصاديين المزعومين الذين هم مجرد سماسرة ومضاربين وانتهازيين وقناصي فرص وبائعي مناصب وجامعي أموال بطرق غير مشروعة لأغراض منافية للشرعية وللقانون] أمضاها وقضاها في اللقاءات الفارغة والدعايات الجوفاء والإشاعات والأكاذيب والتخبط والعبث،وشهدت فيها السوق ارتفاعاً شديداً في أسعار بعض السلع الأساسية كالحليب ومشتقات الألبان، أصدر السراج أمس قراره التاريخي رقم 363 بشأن -الإذن بإنفاق مبلغ مالي لتوريد السلع الأساسية.

طبعاً لا تعلقوا يا خبراء الإقتصاد والتجارة والقانون على هذه التسمية الغبية الخاطئة للعملية المأذون بها بموجب القرار، فكلمة الإذن بإنفاق تطلق على إذن التصرف بمال عام تملك السلطة التنفيذية الأمر بإنفاقه من مخصصات الميزانية المعتمدة، أي من أموال المالية العامة المودعة لدى المصرف المركزي والمصارف التجارية، أما هذه العملية الإستيرادية فلا علاقة لها إطلاقاً بالإنفاق العام، بل هي عملية تحويل أموال بالعملات الأجنبية من الأرصدة والإحتياطيات المتوفرة بالمصرف المركزي مقابل أموال محلية، أي بيع عملة لغرض معين وبطريقة محددة، وكان عليه لو كان لديه مستشار بدرجة عاشرة على سلم رجال الدولة الحقيقيين أن يسميه مثلاً الإذن لمصرف ليبيا المركزي ببيع مبلغ كذا للشركات التجارية لتوريد سلع، كما أن القرار لا يحمل أية صبغة شرعية، فهو عدا كونه تدخلاً في اختصاص أصيل لمصرف لـــيـبـيـــا المركزي ما كان له أن يتخلى عنه،لا يقع ضمن الموازنة الاستيرادية أو الترتيبات الخاصة بالإستيراد والتي يجب على الأقل اعتمادها من المجلس الرئاسي بجميع أعضائه وقد تعذر اعتمادها من السلطة التشريعية المنصوص عليها وفق الإتفاق السياسي.

المهم أنه وفي نهاية مارس، وقد تبقى على قدوم شهر رمضان الكريم أقل من 50يوماً صدر القرار الخطير الذي انتظره معظم الليبيين بشوق ولهفة لعلهم يضمنون بديناراتهم القليلة بعضاً من احتياجاتهم الأقل، في زمن الرمادة الذي يعيشونه ويموتون فيه، ليس لأن الغيث انقطع وحل القحط، فأموالهم وكنوزهم تنوء بحملها العصبة أولي القوة، بل لأن دولتهم ماتت وماتت معها عزائمهم وإرادتهم ورغبتهم المشروعة في الحياة، فسامهم كل مفلس، وامتطاهم كل جاهل، وساقهم كل مجرم، وأذلهم شذاذ آفاق الميليشيات، وسقط متاع الرجال التافهون والأنذال.

مــلــيــار ونــصـف الــمـلـيـار دولار،تساوي نصف ميزانية تونس التي تعدادنا نصف تعدادها،سيتم تحويلها لشراء مواد غذائية لشهر رمضان فقط وكأن الليبيين لا يأكلون إلا في رمضان،وكأنهم مجرد أنعام لا يطلبون إلا الطعام،فلا يريدون الكساء والدواء والكهرباء والقرطاسية والمنظفات والخدمات بأنواعها،والمواد الخام للمصانع والأعلاف ومستلزمات الإنتاج والشغيل،ويتم إنفاقها في أقل من شهر ولا تسألوا عن الهدر والفساد وسوء المواصفات وارتفاع التكاليف التي ستنعكس على الأسعار نتيجة هذا التصرف الأحمق الأهوج الذي لا يبدر ولا يصدر إلا عن جهلةٍ أفاقين امتلكوا زمام أمورنا في تغافل منا وليس غفلة،مع أنه كان بالإمكان القيام بهذا التوريد خلال تسعين يوماً على الأقل من إصدار الموافقات ووصول السلع،وبما يضمن تنافسيةً حقيقيةً في الأسعار،وجودةً في المواصفات،وسلامةً في التفتيش والضبط والجمارك والأداءات، وعدالةً في التوزيع وأماناً اقتصادياً معيشياً يحل محل هذا الهلع والجشع.

كما أننا لم نكن بحاجة على الإطلاق إلى مثل هذا الإجراء السراجي الغبي وهذا الهدر لأموال بالمليارات من الدولارات نحن أحوج ما نكون لكل دولار منها في البناء والتعمير والصحة والتعليم والتنمية ولو في حدها الأدنى، لو أن الرئاسي المغتصب للسلطة أوكل أمور الإقتصاد إلى أهلها،فسارت الموازنة الإستيرادية سيراً حسناً وفتحت الإعتمادات المستندية لتوريد السلع وفق الأصول التجارية وليس المجاملات الإجتماعية والرشاوى والفساد،وانسابت الاعتمادات بدقة وسلاسة وفق أسلوب العلاقة المباشرة بين المصارف وزبائنها، ومع رقابة حقيقية للرأي العام وليس رقابة المماحكات والابتزاز لديوان شكشك الإخواني البليد.

إنني وقد وقع الفأس في الرأس أناشد مـصـرف لـــيـبـيـــا الـمـركـزي [وقد أعياني الدفاع عنه باعتباره لا يزال وفق قناعتي التي يخالفني فيها الكثيرون الحصن الأخير لما تبقى لهذه البلاد من مقدرات الوجود ومقومات الحياة] أن لا يخضع للإبتزاز السياسي {والرئاسي}، وأن يمارس اختصاصاته القانونية ليحد على الأقل من الفساد والهدر ويضبط الإستيراد، ليس بتعقيده وترك الفرصة لفاسدي الجمارك وبالذات ما يسمى {المكافحة} للضغط والابتزاز وقبض الرشاوى بالملايين من الموردين المتعثرين والفاسدين،بل بالحرص على سلامة وسلاسة المعاملات وشفافيتها وقانونيتها وانضباطيتها ومنع تهريب الأموال وضمان أعمال التفتيش والإستخراج ولو أضطر إلى وضع لجان مختصة في كل الموانيء والمنافذ.

إن في لـــيـبـيـــا رجالاً لن يطأطئوا رؤوسهم مقابل وعـدٍ ولا وعيد،وفيها شعب سينتفض وينهض رغم كل الأثقال والقيود،وفوق الجميع ربٌّ كريم يسمع ويرى وسينصر المظلومين ويقهر الظالمين ولو بعد حين.

ولـن يـتـأخـر الـحـيـن..إنَّ مـوعـدنـا الـصـبـحُ ألـيـس الـصـبـحُ بـقـريـب.


الكاتب الليبي: محمد عمر بعيو

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.