طـرابـلـس يا عروس الزمان وروضة الياسمين

[post-views]
32

بوابة ليبيا الاخباري

طـرابـلـس يا عروس الزمان وروضة الياسمين …إلى متى تبقين أسـيـرة ثقافة إيدك وحديدك.
من لا يرى الحرب القادمة وربما القائمة في طـرابـلـس وعلى طـرابـلـس، فهو فاقد البصر وأعمى البصيرة، ومن يظن أن قوةً واحدةً مهما كان حجم عديدها وحديدها ورجالها وأموالها، قادرةً على فرض الوصاية الكاملة والولاية التامة على العاصمة الإجبارية، للدولة المركزية، فهو واهم بل معتوه.
منذ تأسيسها على يد الفينيقيين الكنعانيين قبل 2000 عام وحتى اليوم،كانت طــرابــلــس وتبقى مغنم المتغلب ومغرم المغلوب، تقلّبت بين أيدي الغالبين فاتحين وغزاة، هادمين وبُناة، متسامحين راقين ومنتقمين عُتاة، لفترات متفاوتة أطولها عِدة قرون، وأقصرها بضع سنين.
كانت أطولها وأكثرها استقراراً وأقلها بناءً وتطويراً سنوات معمر القذافي الأربعين وسنتين، التي استغرقت الثلث الأخير من القرن العشرين، والعشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين.
وربما كان أسوأها حالاً ومآلا، وأكثرها إذلالاً واقتتالاً، ونهباً واستباحةً وعبثاً وفساداً،عشرية فبراير الأولى، التي انقضت ومضت تاركةً ثارات وجراحات لم تكن طـرابـلـس مدينة المالوف والياسمين والعشق القدسي للحياة سبباً فيها، بل كان السبب والمتسببون وهذا قدر طـرابـلـس الأليم منذ أزلها البعيد حتى زمنها القريب، القادمون من خارج أسوارها التاريخية القديمة، ومجالها الحضري الحديث، هازمين بسهولة وبقواهم الخشنة، قوة طـرابـلـس الحضارية الناعمة، محتلين ليس قلعة السرايا الحمراء رمز السلطان حتى سقوط الدولة القرمانلية قبل نحو قرنين، بل مسيطرين الآن على مركز الثروة وخزائنها العامرة {مصرف لــيـبـيــا المركزي} القابع مكاناً على بعد أمتار قليلة من السرايا الحمراء، المبنى الأحمر الشامخ الذي بناه المحتلون الطليان قبل نحو قرن، واستولى عليه منذ الأحد عشر عاماً الفبرايرية المضطرمة، بتواطؤ الإخوان مع قراصنة السلاح والمال، القرصان الكبير، والذي من مفارقات اللغة أن لقبه الكبير، وإسمه يماثل صفة يوسف الصديق عليه السلام، الذي طلب من عزيز مصر أن يجعله على خزائن الأرض، لأنه كما وصف نفسه بنص القرآن الكريم {حفيظٌ عليم}، وشتان بين ذلك النبي الأمين، وبين قرصان مصرفنا المركزي في القرن الحادي والعشرين.
إذا طوت فبراير عشريتها الأولى،التي كانت وبالاً على طرابلس بالذات،رغم كل وعود التغيير والحرية والتقدم الثورجية،والتي لم تكن أكثر من أوهام صوتية، تحولت من أحلام وردية إلى كوابيس سوداء، هاهي تلج السنة الثانية من عشريتها الثانية موعودة باستمرار الجحيم، الذي هو ليس بالضرورة قدرها المحتوم، وهو قطعاً ليس اختيارها الحر، بل هو الثمن الغالي تدفعه قسراً وقهراً، أُم المدائن، المدينة التي استرخصها الطغاة والغزاة والبغاة، ليس لأنها رخيصة القيمة، بل لأن الذين استرخصوها يفتقرون لأية قيمة، ما عدا لا قيمة النهب وثقافة الغنيمة، وليس لأن أهلها قصّروا في محاولة حمايتها بالحب تارةً وبالحيلة تارات، وأحياناً بالسلاح، بل لأن هذا المصير المؤلم اختاره لها وطنها الذي اختارها عاصمة دُوله المتعاقبة المتوالية الدائلة والزائلة والفاشلة، والذي ارتضت طـرابـلـس أن يكون كل أهله من كل حدب وصوب، أبناءً لها، لا تفرق بينهم في محبتها لهم، منحتهم كل حقوق النسب والإنتماء والحدب والحنان، طالبة منهم فقط عدم العقوق إن لم يكن الولاء.
ومنذ متى كان للأُمهات واجب الوفاء وحق الطاعة، إذا اختار الأبناء أن يتصارعوا وهي على قيد الحياة عليها، وعلى ما بين يدين، بدل أن يغسلوا بماء ورد الحب قدميها، ويُقبّلوا محبة وعرفاناً يديها.
لا عزاء مني لك يا مدينتي الحبيبة طـرابـلـس، إذ أصوغ كلماتي هذه محبةً وإشفاقاً، غير يقينٍ لا يلين أن كل المتصارعين عليك ذاهبون وكلُ الآبقين، وأنك تبقين بإذن الله تبقين، وتعودين كل حين ولو بعد حين، مدينة المالوف والمعروف والياسمين.

محمد عمر بعيو
كاتب ومحلل سياسي ليبي
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.