تُرسل الدول الغربية مساعدات إلى ضحايا الحروب في الشرق الأوسط، لكنها تبيع أسلحتها لأطراف هذه الأزمات. ورغم المطالب الحقوقية المتعددة بوقف التسليح، إلّا أن التجارة مستمرة حتى وإن أبدى الغرب قلقه على واقع حقوق الإنسان.
ليس جديداً الحديث عن غرق المنطقة العربية في فوضى السلاح، فالنزاعات المسلّحة في سوريا واليمن وليبيا والعراق تعطي صورة عمّا يجري من استيراد كبير للأسلحة، لكن الجديد أن “تجارة الموت” في الشرق الأوسط تشكّل حوالي الثلث من المجموع عبر العالم، وأن هناك ثلاث بلدان عربية، ضمن قائمة الدول الخمس الأكثر شراءً للسلاح على الصعيد الدولي. يحدث هذا في منطقة عربية تفوّت عاماً بعد عامٍ فرص التنمية، ويعيش جزء كبير من سكانها في دوامة الفقر والحرمان.
وإذا كانت الهند، البلد الذي يتسابق مع جارتيه الصين وباكستان في مجال التسلّح، قد تبوّأتن المركز الأول في التقرير الجديد لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” عن تجارة السلاح التي تخصّ الفترة ما بين 2013-2018، فإن المركز الثاني من نصيب السعودية التي تقود حربا في اليمن ضد الحوثيين، أما المركز الثالث فمن نصيب حليفتها مصر، وحلّت رابعةً الإمارات العربية المتحدة التي تشارك بدورها في الحرب داخل اليمن.
من أكبر مبرّرات شراء الأسلحة، هناك مكافحة الإرهاب، والدفاع عن “الشرعية” في اليمن ووقف صواريخ الحوثيين كما يتعلّق الأمر بالسعودية. لكن في الآن ذاته، هناك انتقادات حقوقية توجه إلى هذه الدول، تزامنا مع فواتير السلاح الباهظة، ممّا يطرح سؤالاً حول دور الغرب في هذه التجارة، ففي الوقت الذي يقدم فيه نفسه حامياً لحقوق الإنسان، فهو المستفيد الأوّل من مداخيل بيع السلاح، خاصة الولايات المتحدة التي استحوذت على ثلث السوق، ثم روسيا التي باعت الخمس، وثالثا فرنسا التي باعت 6.7 من مجموع السوق، ورابعاً ألمانيا.
وتحمل خارطة التسلّح في المنطقة العديد من التغييرات، خاصة بالنسبة لمصر التي اتجهت خلال السنوات الأخيرة نحو تنويع مصادر شراء السلاح بدل الاستمرار في تلقي الأسلحة من المعونة العسكرية الأمريكية كما جرى خلال عقود، وفق ما يقوله عادل سليمان، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجي لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية –العسكرية، وهو ما قد يفسّر بالتهديدات المتلاحقة وبرغبة مصرية في هيكلة القوات المسلحة. أما بخصوص الإمارات والسعودية، فالأرقام الجديدة غير مفاجئة، يتابع سليمان لـDW عربية، لأنه معروف عنهما كونهما من كبار زبناء الأسلحة، في إطار علاقات سياسية مع الغرب تضع تجارة السلاح من أولوياتها.
جدل التنمية والتسلح
أدى تراجع أسعار النفط على المستوى العالمي إلى تحديات مالية في السعودية، من أبرزها التآكل الكبير في الاحتياطي وإفلاس العديد من الشركات وتراجع النمو الاقتصادي، الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ إجراءات تقشفية. غير أنه ليست أسعار النفط وحدها أثرت سلبا، فهناك كذلك ميزانية التسليح التي تُموّل في جزء منها الحرب داخل اليمن، إذ بلغ إنفاق الرياض على السلاح عام 2015 حوالي 82,2 مليار دولار، حسب معطيات “سيبري”، قبل أن تعمد إلى تخفيض هذا الإنفاق في ميزانية 2018 وتحدده في 56 مليار دولار.
وإذا كانت السعودية، البلد الغني، تشهد وجود “مناطق فقيرة جدا” حسب تصريحات مسؤول عن الأمم المتحدة الذي وجه سابقاً انتقاداتٍ لنظام الحماية الاجتماعية في البلد، فإن الوضع يبدو أكثر قتامة في مصر، حيث بلغت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر 27.8 وفق معطيات رسمية، في ظل استمرار ارتفاع الأسعار المعيشية.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتفقد أسلحة مسترجعة من جماعات إرهابية
ويبرز عيسى فتحي، محلل اقتصادي ومالي مصري، عوامل متعددة للطلب على السلاح في الشرق الأوسط، ففي الحالة المصرية هناك “موجة الإرهاب والتحرّش التركي بمصر في الغاز الطبيعي”. لكن أكبر دافع للتسّلح بالمنطقة عموماً، حسب حديث عيسى لـDW عربية هو “التسابق نحو إرضاء الولايات المتحدة التي دفعت عدداً من الدول إلى اعتبار إيران عدواً رئيسيا بدل إسرائيل، حتى يتم استنزاف هذه الدول تنفيذاً لمخططات مدروسة، تمنع تكرار وقوع عملية تفاهم مع طهران حول مناطق النفوذ”.
ويتابع محمد عيسى أنه إذا كان جزء من صفقات التسلح المصرية يُجرى من ميزانية الجيش السرية، فإن الجزء الأكبر من الصفقات يموّل خارج الموازنة العامة للبلد، وتحديداً من الدول الخليجية التي تتحالف معها مصر، بما أن هذه الأطراف مجتمعة مقتنعة أن الأمن القوي للخليج يتطابق مع نظيره في مصر.
بين حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب
طال الإرهاب مصر أكثر من مرة، وقد ردّت الدولة بقبضة عسكرية استهدفت الكثير من الجماعات المسلّحة، متجهة إلى شراء السلاح الذي رفعها من الرتبة 11 عالميا في تقرير “سيبري” للفترة 2012-2016 إلى المركز الثالث في آخر تقرير، ممّا مكّن الجيش المصري من عتاد قوي يجعله مستعداً لمواجهة أيّ خطر إرهابي، غير أن مثل هذه الهجمات لم تتوقف في أرض الكنانة، ومن أكثرها دموية مجزرة العريش شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017، عندما قتل 305 شخصا وأصيب العشرات، الأمر الذي جعل السلطات المصرية تضاعف من عملياتها الأمنية.
لكن الانتقادات الموجهة للنظام المصري فيما يتعلّق حقوق الإنسان، جعلت من استمرار توّصله بالأسلحة محطّ تساؤلات منظمات حقوقية، ومنها العفو الدولية التي عبّرت عن مخاوفها من استخدام الجيش المصري لـ”القنابل العنقودية المحرّمة دوليا في شمال سيناء”، متحدثة عن أن الأمر يدلّ على “ازدراء صارخ لحياة الإنسان”.
شهدت مصر أزمات خبز متعددة خلال السنوات الأخيرة
كما طالبت هيومن رايتس ووتش من فرنسا، غداة لقاء جمع الرئيسين إيمانويل ماكرون وعبد الفتاح السيسي بأن تضغط على مصر لأجل “وقف الانتهاكات الخطيرة، ومنها التعذيب”، لافتة أن تصدير الأسلحة الفرنسية لمصر خاضع للوائح الحقوقية، ومن ذلك ضرورة احترام حقوق الإنسان، إذ سبق لمجلس لاتحاد الأوروبي أن أقرّ بمنع تصدير الأسلحة إن كانت هناك مخاطر من استخدامها للقمع الداخلي.
غير أن هذه الانتقادات، ورغم اتساع مداها فهي لا تؤثر في العلاقات بين الدول وفي استمرار تجارة السلاح، خاصة وأنها قادمة من منظمات غير حكومية، يقول عادل سليمان، دليله على ذلك الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى لندن، والصفقات الكبرى التي أجراها، بينها صفقات تسلّح، مع الحكومة البريطانية التي رّحبت بالأمير السعودي على أعلى مستوى، لأنها تدرك أن هذه الصفقات ستحدق انتعاشاً في سوق العمل البريطاني.
ننتقدك ثم نبيعك السلاح!
أوقفت ألمانيا أسلحتها نحو السعودية بسبب حرب اليمن، لكنها في الوقت ذاته جعلت مصر أول زبون في آخر صفقات أسلحتها، ببيعها ما قيمته 285 مليون يورو، رغم أن برلين عبّرت أكثر من مرة عن قلقها من واقع “قمع” حقوق الإنسان في مصر. هذا التصدير تستفيد منه كذلك الجزائر التي حازت عام 2017 على المركز الأول في سلم السلاح الألماني بـ1.36 مليار يورو، وما يجمع الجزائر ومصر، علاوة على الانتقادات الحقوقية الموجهة لهما، هو حربهما الواسعة على الجماعات الإرهابية، إذ تدعم برلين بقوة هذا التوجه.
الأمر ذاته بخصوص علاقة واشنطن بالرياض، فإدارة أوباما علّقت نهاية 2016 بعض أنواع الأسلحة المتجهة للسعودية بسبب القلق على حياة المدنيين في اليمن، لكن أمريكا استمرت بعد ذلك في تسليح السعودية، خاصة بعد مجيئ ترامب الذي عقد مع الملك سلمان صفقات سلاح بمليارات الدولارات. الربح التجاري يشغل كذلك بال روسيا وفرنسا، فإن كانت الأولى لا تعطي دروسا في حقوق الإنسان، خاصة مع توّرطها في الحرب داخل سوريا ورغبتها قطف ثمار سياسية لأسلحتها المتطورة، فإن الثانية تعدّ من بين القوى العالمية التي ترفع على الدوام شعار حقوق الإنسان في علاقاتها الدولية.
يعلّق عادل سلمان أن مثل هذه التصريحات الرسمية التي تشجب واقع حقوق الإنسان تبقى مجرد تسويق إعلامي ومحاولة لتهدئة الرأي العام والظهور بصورة الحكومات الديمقراطية التي تتجاوب مع المطالب الحقوقية. ويتابع المتحدث: “لا توجد دولة أوروبية ترفع شعار الديمقراطية، لم تعقد خلال السنوات الخمس الأخيرة، أعظم صفقات السلاح في تاريخها مع الدول العربية”.
الكاتب: إسماعيل عزام