من يحدد سقف انتاج النفط في السعودية….ترامب أم سلمان ؟

[post-views]
62

بوابة ليبيا الاخباري 

ماذا يعني تجاوب العاهل السعودي السريع مع طلب ترامب بزيادة انتاج النفط مليوني برميل يوميا ؟ وهل أصبح الرئيس الأمريكي هو أمين عام “اوبك”؟ وما هو موقف روسيا والصين والدول المصدرة الأخرى؟وهل ستحصل القيادة السعودية على ثمن مقابل هذا القرار الخطير.. وما هو؟.

لبت المملكة العربية السعودية نداء الرئيس الامريكي دونالد ترامب، ووافق عاهلها الملك سلمان بن عبد العزيز فوراً على زيادة انتاج بلاده من النفط يومياً لتعويض النقص المتوقع في الامدادات بسبب العقوبات التي تفرضها الادارة الأمريكية على كل من ايران وفنزويلا،وتخفيض أسعار النفط الخام قبيل الانتخابات التشريعية الامريكية النصفية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بعد أن تجاوزت حاجز الـ 80 دولارا للبرميل.

الرئيس ترامب أطلق الرصاصة الأولى في حصاره الذي يريد فرضه على ايران ابتداء من تشرين الثاني المقبل كخطوة أولى في اطار مخططه الرامي لإطاحة النظام،واستبداله بأخر موالِ للولايات المتحدة تماماً مثلما جرى أثناء غزو العراق واحتلاله عام 2003، وتغيير نظام الرئيس صدام حسين بتحريض اسرائيلي.

السيناريو نفسه يتكرر الآن بعد 15عاما بالتمام والكمال،وتلعب المملكة العربية السعودية،ودول خليجية أخرى دوراً محورياً فيه، سواء بإغراق أسواق العالم بالنفط لخفض الأسعار حتى لا يتأثر الاقتصاد الغربي، وجيب المواطنين الأمريكيين بالتالي، هذا حصل قبيل غزو الكويت عام 1990، والأمر نفسه تكرر أثناء غزو العراق عام 2003، وكان لافتاً انه في الغزوين لم ترتفع أسعار النفط، فإغراق الأسواق بكميات اضافية من النفط وتخفيض الأسعار بالتالي هو أحد أبرز مؤشرات الحروب الأمريكية في المنطقة العربية.

*

خطة تغيير النظام في ايران التي بدأ الرئيس ترامب في تطبيقها بتشديد الحصار النفطي،وتحريك الشارع الايراني،ومحاولة تجفيف العوائد المالية،ترتكز على تهديد الدول والشركات التي ترفض املاءاته بوقف استيراد النفط الايراني وعدم الإلتزام بالعقوبات بوضعها على القوائم السوداء،واغلاق الأسواق الأمريكية في وجهها،أما الجانب الآخر من هذه الخطة فيتمثل في زيادة معاناة الشعب الايراني من جراء الغلاء وتدهور قيمة العملة الوطنية،مما يدفعه إلى الثورة، والنزول إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية ضخمة، وقد بدأت حملات التحريض الاعلامية في هذا المضمار،ومن المتوقع ان تتصاعد وتيرتها في الاسابيع المقبلة.

ايران تنتج حاليا 2.8 مليون برميل نفط يوميا، تشتري الصين (600 الف برميل)، والهند (400 الف برميل)،أي ما يقرب من نصف حجم الصادرات النفطية الايرانية،أما ما تبقى من كميات فيذهب الى تركيا واليايان وكوريا الجنوبية وفرنسا وايطاليا واسبانيا،وضخ المملكة العربية السعودية مليوني برميل اضافي يعادل حجم الصادرات الايرانية تقريبا،وربما يضغط الرئيس ترامب على دول خليجية أخرى مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت لإضافة بضعة مئات الآلاف من البراميل الإضافية أيضا لكونها ضرورية لهبوط الأسعار تحت حاجز 80 دولارا للبرميل (خام برنت) التي وصلت اليه يوم الجمعة للمرة الأولى منذ عام 2016، وهناك تقارير تقول بأن السعودية قد تضطر لتفعيل الانتاج المتوقف في حقلي الخفجي والوفرة المشتركة مع الكويت في المنطقة المحايدة التي يقدر انتاجهما بـ500 ألف برميل يوميا.

القرار السعودي بالموافقة على طلب الرئيس ترامب في المكالمة الهاتفية التي أجراها مع العاهل السعودي اليوم السبت يعني وصول الانتاج السعودي الى سقفه الأعلى أي 12مليون برميل يوميا،وخروجا عن اتفاق “اوبك” الذي جرى التوصل اليه قبل أسبوع بالتنسيق مع روسيا،على أن تكون زيادة الإنتاج في حدود مليون برميل فقط، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار المظمة،أو حدوث انقسامات فيها على الأقل.

بعد هذه المكالمة الهاتفية أصبح ترامب هو أمين عام منظمة “اوبك”، وصاحب القرار الأول والأخير فيها من خلال نفوذه واملاءاته على السعودية ودول خليجية أخرى.

لا نعرف كيف سيكون رد الفعل الروسي على الخرق السعودي للاتفاق،وكذلك مواقف دول أخرى أعضاء في المنظمة النفطية، مثل الجزائر التي لعبت دورا بارزا في “المصالحة” بين روسيا ومنظمة “اوبك” بقيادة السعودية، مما أدى الى وقف انهيار الأسعار واتجاهها صعودا، ولكن من المؤكد اننا أمام مرحلة من الفوضى في الأسواق العالمية، اقتصادية وسياسية، قد تتطور إلى استقطابات وتحالفات لا تكون في صالح امريكا وحلفائها العرب بقيادة السعودية.

تخفيض أسعار النفط بقرار سعودي مفاجيء آخر،وفي أقل من أربع سنوات من القرار الكارثي، سينعكس سلبا على عوائد دول “اوبك” التي منيت بكارثة مالية من جراء انهيار أسعار النفط عام 2014 ووصولها إلى 30 دولارا، بعد أن وصلت إلى 120 دولارا للبرميل، خاصة ان القرار السعودي الجديد يأتي في وقت بدأت فيه الأسعار تتعافى وتقترب من قيمتها الحقيقية، وبما يوفر العوائد المأمولة للدول المصدرة ومعظمها من العالم الثالث وتواجه ازمات اقتصادية طاحنة.

*

تركيا أعلنت بالامس انها لن تلتزم بالعقوبات الأمريكية وستستمر في استيراد النفط الايراني كالمعتاد، لأن ايران دولة جارة وشريك تجاري مهم، ومن غير المستبعد أن تحذو الصين حذوها،وربما تذهب الى ما هو أبعد من ذلك وتزيد وارداتها النفطية من طهران الى مليون برميل يوميا حسب بعض التقارير الاخبارية.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن الثمن المقابل الذي من المفترض أن تحصل عليه القيادة السعودية مقابل هذا التجاوب السريع مع طلب ترامب،وزيادة انتاجها النفطي إلى معدلاته القصوى،وبما يحرم مواطنيها،ومعظم الشعوب الخليجية والاسلامية العربية الأخرى المصدرة للنفط وتعتمد على عوائده كمصدر أساسي للدخل (الجزائر،ليبيا،العراق، نيجيريا،ايران،اندونيسيا،والقائمة تطول)، من مئات المليارات من الدولارات سنويا بسبب هذا الانخفاض في الأسعار، ومن أجل رفاهية المواطن الأمريكي والغربي، وانتعاش اقتصاديات بلاده،وتغيير النظام في دولة مسلمة، واغراق منطقة الشرق الأوسط في الفوضى، نترك الاجابة لاجتهاداتكم وللأسابيع والاشهر المقبلة، وما علينا إلا الانتظار.


عبدالباري عطوان

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.