ليبيا…اقتصاد يأكل الطير من رأسه

[post-views]
19

بوابة ليبيا الاخباري 

انتفاضة فبراير 2011 أجهزت علي النموذج السياسي للدولة الليبية ولم تقدم بديل مقبول للمشاركة السياسية حتي الان،ولكن الأسواء كان هو اخراج الاقتصاد الليبي من الخدمة وتحويله الى حالة شاملة من الفشل والشلل فأنهار الناتج الاجمالي بسبب التدمير المتعمد لمصدر الدخل القومي الرئيسي والصراع اللاحق حوله من قبل القوي المتصارعة.

بدون أدني شك أن كل المقومات والركائز الاقتصادية سواء الإنتاجية أو الخدمية والتجارية والصناعية قد تداعت أركانها بسبب خروج مؤسسات الدولة خارج الخدمة وتأثرها بالصراع المستعير حتي الآن.

طبعا الأزمة الاقتصادية عميقة وهيكلية من الناحية النظرية والعملية فالأزمة الاقتصادية والتي تتركز في فقدان الاقتصاد الليبي القدرة علي حماية أصوله الاقتصادية والتي يعول عليها لخلق الثروة وتنميتها وكذلك فقدان قدرته علي خلق فرص عمل وتزداد معدلات البطالة بشكل يؤدي الي تعقيدات أخرى اجتماعية،ناهيك عن فقدان المؤسسات المصرفية والتي كانت محرك تنموي وقائد لقاطرة الاقتصاد الليبي لخروج مفتعل خارج القضبان عبر تعطيل دوره و افتعال أزمة السيولة وإيقاف آليات خلق النقود والائتمان والذي يحرك عجلات اقتصادية متنوعة تقوم علي التمويل المصرفي.

وزاد الأمر سوء الانقسام المؤسسي والذي اجتاح كل المؤسسات الاقتصادية بدون استثناء ،بدون أدنى شك أن الوضع الذي أصبح عليه الاقتصاد الليبي أسبابه تعود الى فترة سابقة علي انتفاضة فبراير ولكن السيناريو الأسوأ كان على يد الفوضى التي أحدثتها متصدري فبراير عبر منهج الإقصاء وفتح الباب لخلق زعامات اعتمدت علي سلطة وقوة غير خاضعة لسلطان الدولة.

ليس من المتوقع أن تكون المعالجات والإجراءات التي ربما يقوم بها البعض مما يفتقدون المقدرة ومشحونون برصيد من التطرف المنهجي و تحركهم دوافع فئوية مستترة خلف وعود براقة،ان تحدث تغيير حقيقي في حالة الانهيار الاقتصادي الشامل الذي تعيشه ليبيا الان.

لا حل اقتصادي شامل متاح الآن ولا يمكن لأي مسؤول اقتصادي أن يفعل شيء يذكر الآن سوى تصريحات جوفاء معلقة علي برنامج إصلاحات اقتصادية لا يمكن أن يكتب له النجاح في ظل هذه الأوضاع،حتي وإن كانت النية والمساعي النبيلة التي يقوم بها ذاك المسؤل أو غيره لا ترقي في تقديري إلا الى أن يرمي بحجر في مستنقع مياه الاقتصاد الراكدة ولن يستطيع أن يصنع شيء يُذكر سوى أن يتابع ما يحث من ارتداد لحظي بسيط علي سطح تلك المياه الراكدة.

المخرج من الدوامة المستمر ليست في تعليق الأمل بمشروع إصلاحات اقتصادية كما يسميه بائعي الهوي،بل في اعادة بناء الدولة قبل كل شي وتوحيدها وايجاد نموذج ونظام اقتصادي يتفق عليه و يؤسس له دستوريا وبشكل واضح يرتكز علي القطاع الخاص المراقب من قبل سوق رأس المال وأدواته الرقابية علي أدوات الاستثمار بكافة أشكاله وتعزيز وتطوير الرقابة المصرفية عبر فصل الرقابة المصرفية عن دور البنك المركزي ليتفرغ للعمليات المتعلقة بالسياسة النقدية،والتخلي عن ملكية وزارة الاقتصاد والصناعة للشركات الحكومية والتحكم في ادارتها والتخلص من فرض الحكومة هيمنتها علي صندوق الانماء وغيره من الصناديق الحكومية والتركيز علي تغيير طبيعة الاقتصاد ذو المصدر الوحيد والمسيطر والذي عجز برغم موارده عن ايجاد فرص عمل للشباب الجامح العاطل عن العمل ولا مناص من تنمية مكانية وايجاد مناطق استثمار متخصصة وفقا لقواعد مختلفة تفتح آفاق اقتصادية غير تقليدية لليبيين والمحيط الإقليمي.

اننا في حاجة لتحجيم دور الدولة ومؤسساتها في الحياة الاقتصادية وتركيزها علي التنظيم والرقابة و اعمال قواعد المنافسة والتركيز على توفير بيئة للأعمال أكثر جاذبية للجميع والتركيز على الشفافية الإلكترونية في انجاز المعاملات وتطوير النظام القضائي بشكل عام والاقتصادي بشكل خاص.

وحتي يتحقق ذلك الأمل المنشود بتغيير اقتصادي حقيقي وباقتصاد حديث متطور شفاف ويقوم على محركات اقتصادية واستثمارية فعالة ومنوعة ستبقي طيور الفساد تأكل من رأس الاقتصاد الليبي.


د. سليمان سالم الشحومي
مؤسس سوق المال الليبي.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.