كان بطلها القذافي..قفشات الحكام العرب في القمم العربية

[post-views]
139

بوابة ليبيا الاخباري 

لا تكاد تخلوا قمة عربية عقدت خلال الخمسين سنة الماضية إلا وفيها مشهد درامي من سيناريو واخراج ليبي وبطولة معمر القدافي حتى أصبح هم وسائل الاعلام والمتابعين العرب في انتظار ما تطبخه الدراما الليبية السياسية يؤخذ غالبها بشكل ساخر لعدم جديته وواقعيته ساعات محدودة للتفاعل ويطوى في سجل النسيان والجنك خبر السياسي.
 

كتب مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية المكلف بتغطية فعاليات لقاء القمة العربي في الجزائر في يونيو 1988 بحضور العقيد الليبي معمر القذافي بعد غياب دام عقدا من الزمن،وجاء في المراسلة المترجمة من أرشيف الصحيفة الأوسع انتشارا في بلاد العم سام: “كان الزعيم الليبي معمر القذافي طيلة أيام المؤتمر يرتدي قفازة بيضاء في يده اليمنى لتفادي تلويث يده عند مصافحة من أسماهم بــ “الخونة العرب”من ملوك ورؤساء الدول العربية ..وكان يقصد الملوك العرب وخاصة الملك فيصل والملك حسين والملك الحسن الثاني ملك المملكة المغربية،وقد سحب أثناء إحدى الجلسات وشاحا أبيض غطى به وجهه عندما أخذ العاهل الأردني الملك حسين الكلمة، في تظاهر بعدم الاكتراث، وأدار ظهره للملك الحسن الثاني، في خرق بروتوكولي غير معتاد،ممتنعا عن مصافحته قائلا:”لن أصافح يد من استقبل شيمون بيريز في بلده”، وكان ملك المغرب قد استقبل في يوليوز 1986 السيد بيريز،رئيس الوزراء الإسرائيلي،في مبادرة من الملك لإيجاد حل وتسوية للأزمة في الشرق الأوسط، في خطوة انتقدها بشدة العقيد الليبي الذي صرخ عاليا في القاعة:”أبدا لن تصافح يدي يدا صافحت اليد الدامية لبيريز”، وأضاف القذافي أمام 17شخصية ممثلة بملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية في القمة، بصوت غاضب: “فليذهب الكل إلى الجحيم”.

 
كان هذا اللقاء أول لقاء قمة يقبل القذافي حضوره بعد مقاطعة دامت أكثر من 10 سنوات،اعتبر فيها مؤتمرات القمة العربية والإسلامية مضيعة للوقت،وقال بأنه حضر فقط بعد أن ارتفعت حصيلة ضحايا الفلسطينيين أمام السياسة الإسرائيلية،لأن غزة عزيزة على قلبه،وقال أمام الملأ إن لقاءات القمة العربية لقاءات فارغة للخداع والنفاق…وتأكد فعلا أن معمر القذافي لم يغير قط من لهجته وتهكمه،وعدم احترامه واستصغاره للزعماء العرب خاصة الملوك… حتى إنه في بعض الجلسات المغلقة، قال مسؤول فلسطيني إن العقيد الليبي لم يكن لبقا، بدأ يدخن وينفث الدخان في اتجاه وجه الملك فهد بن عبد العزيز ملك السعودية الذي كان يجلس بجانبه،وكان ينظر بنظرات حادة للحسن الثاني ملك المغرب وهو ينفث الدخان بشكل متقطع …وكان القذافي الذي لا يدخن عادة يدخن بشراهة غير مكترث للحديث الذي يدور بالقاعة،وقد أبدى العاهل السعودي،تضايقا كبيرا… وكان القذافي كلما أخذ أحد الملوك الكلمة يغطي وجهه كاملا بمنديل أبيض،في إشارة إلى عدم رغبته في سماع الخطاب،بل الأكثر من ذلك كان ينسحب إلى الخارج ويعود والمناقشات في أوجها، كما فعل أثناء أخذ الملك الحسن الثاني الكلمة.
 
وينقل الصحافي محمد حسنين هيكل في كتابه “كلام في السياسة” بعضا من تحرشات القذافي بالحسن الثاني بالقول: “قبل بدء أعمال القمة، جاء مولاي عبد الحفيظ، رئيس الديوان الملكي المغربي، يبلغ الملك الحسن أن القاعة جاهزة، أخذ يد الملك الممدودة إليه فقبلها،وفوجئ معمر بما رأى، وإذا هو يصيح بأعلى صوته: ما هذا؟ تقبيل أيادي؟ عدنا إلى عصر العبودية..لا..لا.. هذا شيء مرفوض..مرفوض تماما”…  “كان يخاطب الملك بعبارة “يا حسن”، ودخل في شنآن مع الملك فيصل آل سعود، ووضع مسدسه على الطاولة،مما دفع الملك السعودي أن يغادر محتجا “على لغة المسدسات”، قبل أن يتدخل كل من الملك الراحل الحسن الثاني،رئيس المؤتمر،والرئيس جمال عبد الناصر للعدول عن فكرته.. وبعد الجلسة رأى أوفقير في القاعة فبدأ يصيح: “اقبضوا على هذا الرجل، ما الذي جاء به معنا؟ هذا قاتل (في إشارة إلى اتهامه بقتل بن بركة) مكانه السجن وليس هنا”… واستطرد هيكل في شهادته: “كان أول مؤتمر يحضره القدافي على مستوى القمة بعد انقلابه على الملكية في ليبيا في 1969،كان القذافي مزعجا لملك المغرب جدا،فطلب فورا الحسن الثاني من الرئيس جمال عبد الناصر أن يساعده في ضبط سلوكيات الضيف الجديد،ولم تمض سوى دقائق حتى ارتكب معمر القذافي حماقة وخطأ آخر جسيما،وذلك عندما أبدى الملك فيصل،ملك المملكة العربية السعودية،بعض الملاحظات،فقال له القذافي: (يا فيصل..) فما كان من ملك السعودية إلا أن غادر قاعة المؤتمر بصفة نهائية،ومع هذا الحادث اضطر الحسن الثاني إلى رفع الجلسة لتهدئة النفوس”.
 
وكشف الحسن الثاني في كتابه “ذاكرة ملك”جزءا من خلافه مع القذافي خلال مؤتمر القمة الأول للقدافي في الرباط بالقول: “بعد فترة من توليه السلطة جاء إلى المغرب للمشاركة في مؤتمر القمة بالرباط،واكتفينا بالتصافح.. لاحظت إلى أي حد كان غير متحكم في أعصابه وقليل الخبرة،فخلال تلاوة التوصيات على سبيل المثال، كان يكفي أن أقترح تعويض كلمة بأخرى تبدو لي أكثر ملاءمة،لينهض معارضا في الحال،وبذلك كانت الأيام الثلاثة التي استغرقتها القمة بمثابة حرب مفتوحة بيننا.. فقد كان يعتبر كل من يعتلي عرشا خائنا بالضرورة..لقد جرت الجلسات في جو مشحون بالتوتر، حيث كان القذافي يضاعف من تلميحاته المزعجة، بينما كان الملك فيصل،الذي كان رزينا وهادئا،لا يرد بشيء ولا يأبه بما يوجه له”.
 
محمد بن دادوش في كتابه “رحلة حياتي مع الميكروفون” حضر القمة وسجل في مذكراته : “يظهر من هذا أن القذافي ربما جاء إلى المؤتمر،المنعقد في دولة ملكية عريقة،يحمل معه حساسية خاصة إزاء الأنظمة الملكية، ولذلك حاول التشويش على كل ما هو ملكي في هذا المؤتمر، وظهر وكأنه مزهو برفقته للرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان يعتبره مثله الأعلى”.
 
“وعلى عكس قادة وزعماء الدول العربية الذين ظهروا بملابس أنيقة بأربطة عنق،وخاصة الحسن الثاني المعروف بارتدائه ملابس أنيقة وفاخرة والملك حسين كذلك، أو الذين ظهروا بملابس فاخرة وطنية لدولهم، وخاصة الملك فهد والشيخ زايد،على عكس هؤلاء القادة ظهر الزعيم الليبي وبجانبه خبير الموضة الإيطالي الذي يشغل منصب مدير ملابسه،ظهر الزعيم بلباس عسكري لرتبة “أميرال” مزركش بخيوط الذهب الخالص وعليه نجمات وتوشيحات عسكرية،كما ظهر أحيانا أخرى باللباس الوطني الليبي مع تغيير القمصان الإيطالية الفاخرة بين الأخضر والأحمر والأزرق…ويسافر في الغالب العقيد بنفسه صحبة حارساته إلى إيطاليا للتبضع في المراكز التجارية الفاخرة بروما، ويقضي وقتا طويلا أحيانا في محاولة تسريح شعره الأشعت ووضع الماكياج لتعديل وجهه الموميائي”.

تقول صحيفة “نيوز ويك” الأمريكية في إحدى قراءاتها لتصرفات العقيد في القمم العربية التي لها طقوس وبروتوكولات خاصة،وتضيف الصحيفة الأمريكية الواسعة الانتشار: “وفي غالب الأحيان عندما يسافر إلى الدول العربية لحضور مؤتمرات القمم فإنه غالبا ما يتجاهل الجلسات ويخرج مصحوبا بحاشيته للتبضع أو التنزه والترويح على النفس،كما وقع في قمم الدار البيضاء والدوحة والرياض مثلا”.
 
ومن الأمثلة التي ساقها الملك الراحل في أحد الاستجوابات سنة 1982 قوله عن القذافي حين زار الرياض لحضور إحدى القمم واغتنم الفرصة للعمرة: “بلغني أن رئيس ليبيا كان يطوف حول الكعبة والكتاب الأخضر بين يديه كما أنه ظل يمشي بين الصفا والمروة في الحرم المكي وهو يردد بعض الشعارات التي ضمها كتابه الأخضر” .. لذلك فهو -بحسب الملك الراحل- “زنديق”، لأنه أراد أن يغير كتاب الله في أقدس مكان وهو مكة المكرمة، بكتاب وضعه بنفسه. 
 
غرائب وعجائب القذافي في القمم العربية لا تنتهي، ففي القمة الثالثة والعشرين التي عقدت في عمان سنة 2001،فاجأ معمر القذافي جميع ملوك ورؤساء الدول الحاضرة بطرح فكرة”إسراطين”لحل النزاع التاريخي بين إسرائيل وفلسطين،من خلال إنشاء دولة ثنائية القومية للعرب واليهود معًا،وهو الأمر الذى أثار جدلاً واسعًا فى الصحف العربية فى حينه..وفي أثناء كلمة له في القمة وصف القذافى الفلسطينيين بأنهم أغبياء مما جعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس يفرط فى الضحك،وسط دهشة الزعماء العرب من الملوك والرؤساء ..وشهدت القمة أيضًا سخرية الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي من الوزن الزائد لأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني،حيث قال في كلمة له في افتتاح القمة:”إن الشيخ حمد أقدر واحد فينا على ملء الفراغ”، ساخرًا من “سمنة” الشيخ حمد، الذي تجاهل الموقف المحرج بمحاولته سؤال من حوله عن خلل في الصوت لم يتح له سماع الكلام الكامل للعقيد المزعج. 
 
وتعد من أبرز الصور الشاهدة على “مضحكات” القذافي في القمم العربية تلك الصورة التاريخية التى جمعته بعدد من الرؤساء العرب، حيث وقف القذافي “متكئًا” بشكل غير لائق على كتفي الرئيس المصري محمد حسني مبارك،والرئيس علي عبد الله صالح، خلال القمة العربية لسنة 2010 فى ليبيا..وفي تلك القمة كان القذافي يأتي متأخرا لقاعة القمة في قصد مهين لجعل كل الزعماء ينتظرون قدومه،وكان أول من يغادر القاعة،حتى إن بعض الزعماء العرب عبروا عن انزعاجهم من تصرفات العقيد التي لا تراعي الطقوس البروتوكولية للزعماء، وخاصة الملوك، حسب ما كتبت “الواشنطن بوست” الأمريكية. 
 
وفي قمة الجزائر لسنة 2005 رفض القذافي المشاركة في القمة،واضعا بذلك شرطا محرجا للجزائر، وأنه لن يشارك أبدا إلا إذا تعهد الجزائريون بالسماح له بإدراج فقرة في المؤتمر للحديث عن أطروحته “إسراطين”،التي يقترح فيها إنشاء دولة مشتركة بين فلسطين وإسرائيل، وأن يلقي محاضرة في جامعة الجزائر العريقة حول “الكتاب الأخضر”،ومن دهاء المسؤولين الجزائريين حينها أنهم وعدوه بتخصيص قمة طارئة في السنة الموالية في مصر لمناقشة أطروحته “إسراطين”، وهي القمة التي لم تعقد أبدا. 
 
وخلال قمة الدوحة سنة 2009 نشبت مشادة كلامية بين القذافي والملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز،واعتبر الوفد الدبلوماسي السعودي المصاحب للملك كلام القذافي إهانة لرئيس الوفد ملك السعودية،الذي سارع بمغادرة قاعة الاجتماع،وكانت تقارير صحافية قد تحدثت عن أن الملك عبد الله قال للقدافي على مرأى ومسمع بقية الزعماء العرب بقاعة الاجتماعات “انتظرت ستة أعوام كي أخبرك بأنك كذاب صنعتك إنجلترا وحمتك الولايات المتحدة الأمريكية”.
 
وأصر معمر القذافي أو “عميد الحكام العرب، وملك ملوك أفريقيا،وإمام المسلمين”،كما يحلو له دائما أن يصف نفسه،(أصر) في قمة شرم الشيخ في مصر على إدخال الفتيات الحسنوات اللائي يصاحبنه في سفرياته إلى قاعة الاجتماع الرئيسية للقمة،ولم تفلح معه إلا توسلات الرئيس المصري حسني مبارك، لكن رغم ذلك أصر القذافي على بقاء ممرضته الأوكرانية الشقراء “غالينا كولوتنياستكا” داخل القاعة والجلوس خلفه مع الوفد الدبلوماسي الليبي،الممرضة الأوكرانية التي وصفتها برقية للسفير الأمريكي في ليبيا “دجينز كريتز” سربها “ويكيليكس” بــ “الفاتنة الشقراء المثيرة للشهوة”،والتي تهتم بصحة ومزاج الرئيس،وقالت البرقية إنه من المحتمل جدا أن تكون العلاقة بين الزعيم الليبي وممرضته علاقة غرامية،”فالممرضة لا تفارق خيمة القذافي وربما غرفة نومه،ومعه في كل سفرياته الداخلية والخارجية،كما أنه لا يتحمل أن تمر لحظات دون أن يراها أمامه،وهي المفضلة لديه بين كل حاشيته من النساء”.
 
وأعد السفير الأمريكي في طرابلس “دجين كريتز” تقريرا حول شخصية العقيد معمر القذافي “بطل القمم العربية”،الذي كان ينوي زيارة نيويورك للمشاركة ضمن اللقاء السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2009،وقد جاء في التقرير الذي سربت جزءا من تفاصيله ويكيليكس”:”العقيد الليبي معمر القذافي شخصية متقلبة وغرائبية،فهو غريب الأطوار وغير مستقر نفسيا،فحقيقة القذافي أنه ذو شخصية معقدة ومزاجية تمكنت من البقاء في السلطة لأكثر من 40سنة من خلال تحقيق التوازن بين المصالح وأساليب السياسة الواقعية بدهاء كبير”،وأضافت البرقية أن القذافي تقدم بطلب غريب للقنصلية الأمريكية في طرابلس تحث على ضرورة وضع صورة مصغرة له بالتأشيرة الأمريكية في جواز سفر الليبيين الراغبين في زيارة الولايات المتحدة الأمريكية،وكشفت البرقية الأمريكية أن القذافي يعاني من اهتزاز نفسي ورهاب شديد وخوف من الصعود للطوابق العليا،ولهذا لا يتجاوز في الغالب الطابق الأول لأي منشأة يزورها داخليا أو خارجيا، والتحليق بالطائرة فوق البحار والمحيطات،كما لا يفضل التحليق لأكثر من ثماني ساعات مسترسلة،ومن هوايات القذافي المفضلة الصيد وركوب الخيل،ويهوى رقص الفلامينكو بشكل جنوني،وفي كل زياراته لفينزويلا يتوقف في اشبيلية،ذهابا وإيابا،خصيصا لحضور عروض خاصة لحفلات رقص الفلامينغو،حيث يرقص بحماس،كما كشفت البرقية أن القذافي يعتمد بشكل كبير في كل رحلاته وتحركاته الداخلية والخارجية على ممرضته الأوكرانية الشقراء “غالينا كولوتنياستكا”.  
 
وفي القمة العربية العشرين التي انعقدت في العاصمة السورية دمشق في سنة 2008،والتي عرفت حضور فاتنة القذافي الأوكرانية “غالينا”التي أثارت اهتمام الصحافة العربية والدولية أكثر من الزعماء العرب،ألقى القذافي خطابا حماسيا حذر فيه القادة العرب من تكرار تجربة إعدام صدام حسين عليهم وتصفيتهم واحدا تلو الآخر،وذلك على الرغم من صداقتهم للولايات المتحدة الأمريكية،إلا أن القادة العرب استقبلوا كلمته بالضحك،وهو ما وقع بالفعل عقب الربيع العربي،إذ غاب أغلب الزعماء الكلاسيكيين العرب عن ساحة القمم العربية عقب ثورات الربيع العربي التي اختلفت حدتها من بلد لآخر .


#متابعات

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.