الرسالة الثانية…إلى الصديق “هشام بن غلبون”

[post-views]
22

بوابة ليبيا الاخباري 

عزيزى هشام بن غلبون…تحيات طيبات زاكيات مُفْعمات بالمودة والإحترام وبعد.

أحاول جاهداً هذه الليلة جمع ولملمة العديد من الحروف كي أكتب لك رسالة من الطابق الخامس في مبنى متهالك مليء (بالقناطش) والأوساخ والناس الطيبة الآن في هذه الليلة الموحشة المُظلمة الباردة المتجمدة والساخنة الملتهبة بالبارود والقنابل والرعب والصواريخ اندلعت منذ قليل معارك شرسة وبقوة في حي السكابلي.

هذه المعارك الطاحنة لا تبعد عن بيتي وبيوت جيراني الكرام سوى أمتار قليلة ومع هذا القرب وذاك الرعب والموت والدمار والازعاج اُخبرك أنني بخير ولم أغادر، شقتي وشارعي ومنطقتي ومدينتي مع أهلي وناسي وجيراني إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، فيا صاحبي، اسمح لي أن أبعث اليك هناك في مانشيستر الجميلة الآمنة الوادعة الكثير من الأحزان والهموم وكذلك أثقالا من (الكواين، والكنايس) تنوء منها الجبال فأثقلت كَوَاهِلنا حيث أنها سَيّجَت وأرعبت بلادنا وأهلها، فيا صاحبي شاركني وَجَعِي وأحزاني هذه الليلة وأجرك على الله وسأحكي لك عن هذا المبنى وبعدها (نَدّهْوَرْ بِيْك) على المدينة والبلاد لتعرف أحوال وأوجاع الناس وكذلك أحزان  وآلام صاحبك  “المفتاح” عاثر الحظ فأنصت له واصطبر معه قليلاً يا صَدِيقه.

عزيزي هشام:

أرجو أن (تُوَسِّع بَالَك لِي) وتستمع إليّ دون ملل وضجر، بعد رجوعي إلى أرض الوطن أقَمْت في منطقة الليثي القديم وبقيت هناك عدة أشهر وخلال هذه الأشهر ازدادت المناوشات والبغضاء بين الاخوة فأندلعت بينهم حرب شعواء لا مبررلها فقاتل الاخوة بعضهم بشراسة ووحشية وانتقاما لا وصف له وصاروا بإمتياز اخوةاعداء،يعدون المكائد وينصبون لبعضهم الفخاخ والمفخخات،ويقطعون الرؤوس ويحرقون جثث بعضهم، البعض!!، فيا دافع البليّات.

عزيزي هشام:

دَعْنا نبتعد قليلاً عن الاخوة الأعداء واصْعَد معي إلى تلك العمارة البائدة وحاذر ولا تخف ستكون في استقبالك جارتنا تلك، (القنطشة الجَرْبَة) المقززة التي لم تعد تخاف القطط والناس، والتي ستصعد معك وتصر على مرافقتك من الدورالأول (عتبة عتبة) إلى الدور الخامس والسادس وحتى الدورالسابع،فهذا النوع البشع البليد من (القناطش) لا مثيل له في مدن العالم، غير أننا، في بنغازي ألِفْنَاها، وآلِفَتْنا ولم يعد ينقصها وينقصنا سوى ادراجها فى كُتيبات عائلاتنا ومنحها الرقم الوطني، حتى نستطيع توفيرغذائها من “تشاركيات” السلع التموينية وقد نُزور لها بعض الأوراق الرسمية كي تحصل على مرتب شهري لتزاحمنا في طوابيرنا المحنطة أمام المصارف كبقية الناس الذين يتمتعون بازدواجية المرتبات!!؟،التي لا حَقّ لهم فيها.

لقد أصبحت هذه (القنطشة، مِنّا، وَعَليْنا)،وهناك فى (العلالى) يا هشام تقع شقتي التي تلامس كبد السماء فما إن أصل إلى آخر”عتبة” تدخلني إلى بيتي إلا وقد “قُطِعَتْ” أنفاسي فهنالك يدعو صاحبك (فتح الله) ربه، ويتشهد ويذكر اسم الله كثيرا حتى لا ينقطع آخر نفس في رئتيه التي أكلها التبغ المصري مُنتهي الصلاحية ويموت وَيُتعب اصدقائه في انزال جثته الهامدة من الدورالخامس عبر (دروج) العمارة الوعرة وممراتها المظلمة المليئة بالفئران والقناطش والعناكب السارحة في جدرانها المتشققة لِتبدأ بعدها مسيرة عذاب ومعاناة أصدقائه وأحبابه مصحوبة بلعناتهم له فيى (سِرّهِم وَجَهْرِهِم)، لعدم وجود مقابر، فمدينتنا يا صاحبي رغم كثرة موتاها هذه الأيام لا توجد بها مقبرة!؟، فجبانة الهواري الشاسعة هي الآن ضمن حدود وممتلكات الدولة الاسلامية وترفرف عليها راية التوحيد، فأنا يا صاحبي مرهق وأجد صعوبة بالغة في الصعود إلى شقتي وحين اشتكيت لصديقي الساخر الشاعر والأديب سالم العوكلي صعوبة وضع منزلي وارتفاعه عن سطح الأرض، ابتسم وضحك بصوت عال وقال لي بسخريته المعهودة “انّ الصقور تسكن دائما العلالي والقمم ولا تحتاج إلى مصاعد”، ضحكت حينها وتذكرت على الفور”الصقرالوحيد” وبشاعة تلك العصاة غير الانسانية التي مزقت أحشائه حين وقع في الأسر!!؟، بعد أن “دَهّـشَتْه” قوات التحالف وسلمته لهم “طازه بُوريْك” على طبق مصنوع من مواسير نهره الصناعي ففي زحمة هذا العذاب، و”اذْهَابْ الشّيرة” كدت أترحم على “الصقر الوحيد، رغم رزالاته وطْرُوْحِه” واطروحاته التي (زَرَطَتْنَا) فيما نحن فيه الان، لولا أن لطف بي الله، فلِلّه الحمد والشكر على الثبات.. ويا دافع البليّات.

عزيزي هشام:

يبدو أنه من “تشرد مرة تشرد للأبــد”. المدينة التي يطلق عليها “رباية الذايح” منذ أن خلقها الله”ذُحْت” فيها وتشردت وأصبحت مثل قطة “مفجوعة” تنقل صغارها من مكان لآخر أنت تَعْلَم يا سيدى أن القطط تنقل “جِرَاهَا”، سبع مرات متتاليّات خوفا ان يعتدى عليهن ويقطع رؤوسهن الصغيرة (بو القطاطيس) وبقية القطط الأخرى، فأنا يا سيدى تجاوزت حياة “القطاطيس” بنقل، صغاري خوفا من الجحيم والمجهول تنقلت (بعيالي) عشر مرات في أقل من عام جُبْت المدينة وطفت حولها من بيت لبيت ومن القوارشة إلى الليثي إلى طابلينو إلى الرحبة إلى الفويهات ثم البركة وطريق المطار وسيدي حسين، والسكابلي.

ومن بنغازي لدرنه وشحات باحثا عن مكان يأويني ويأويهم ألم أقل لك انني تفوقت على حياة القطط في التنقل من بيت لبيت ومن (دار، لدار، ومن زنقة، لِزنقة) خوفا من (بوالقطاطيس) الذي يفترس عياله!!؟، فليس عجيبا، ولا غريبا أن (بوالقطاطيس) يأكل أبنائه فهذه هى طبيعته!!، وهكذا هى الثورات حين تنحرف تتوحش ثم يسرقها اللصوص وأصحاب القلوب السوداء والخضراء فتحرق أوطانها، وتأكل أبنائها وأبناء جيرانها فقد خَبِرَ الناس ذلك منذ زمن بعيد !!؟.

مصائب قوم عند قوم فوائد:

رحلت الناس وهربت راجلة راكبة وجَافِلَة من مناطق الحروب والاقتتال تاركة خلفها بيوتها (وَاحْوَاشْ عُمْرِهَـا)، خوفا على حياتهم، من صواريخ وقنابل الحقد والموت المشتعلة بين الاخوة الأعداء فالألاف من الناس تخلت عن بيوتها وغادرت أحيائها وشوارعها وأزِقتها،لم يحملوا معهم شيئا فروا بأرواحهم فقط طلبا للسلامة والحياة وبدأت مشاوير (المرطزة)، ورحلة العذاب والشقاء والتشرد فكانوا صيدا ثمينا سهلا ضعيفا ومريحا لتجار الحروب والأزمات أصحاب الضمائر الميتة من “اعيال البلاد”، (أبناء جلدتهم اخوانهم في الدين والوطن واللسان والمدينة والحرب) ارتفعت ايجارات الشقق والبيوت ارتفاعا لم تشهده المدينة من قبل وأصبح ايجار شقة صغيرة غيرمؤثثة عفنة على ضفاف أنهار (الخرارير) التي تُطوّق المدينة يصل 1000 جنيه قابلة للزيادة، في أي وقت وأصبح أصحاب الشقق يطلبون ثلاثة أشهر مقدما مُضافا اليها ثمن ايجار شهر (يلهطه السّفْتُول)، سمسارالأزمات (ولد لَبْلاد)، أوْ وَكالة التاجير أي تدفع 4000 دينار (دينارا ينطح دينار) قبل أن (يرتد اليك طرفك) وتُدْخل رِجْلَك اليُمْنى في تلك الخِرْبة المظلمة أن ثمن ايجارمثل هذه الشقق كان قبل اندلاع الحرب ما بين 300 الى400 جنيه شهريا، فماذا حدث لأخلاق وَقِيم (عيال، لبْلاد)!!؟.

عزيزي هشام:

رحل كثير من الناس الى الساحل الشرقي ومدن وقرى الجبل الأخضر على أمل أن تكون الايجارات متوفرة وبأسعار أقل.. رحلوا نزحوا هناك إلى شققهم المستأجرة التي لا يليق أن يسكنها أحفاد آدم عليه السلام الذين كَرّمَهم الله وأذلهم وأهانهم واستغلهم وقتلهم (أخوهم الليبى وَلَد لَبْلاد)، فالنازحات والنازحين غرقوا حتى (قبَابِيع رؤوسهم)، في الغلاء الفاحش والإستغلال والطمع ودرجات الحرارة المتدنية التي لا تُطاق فمعاملة النازحين في شحات والبيضاء لا تقل جشعا واستغلالاً وقسوة عن ما لاقوه هنا من أبناء مدينتهم أصحاب الشقق والبيوت في بنغازي إن غالبية الملاك هنا وهناك استغلوا الظروف القاسية لعباد الله (فذبحوهم على غَيْر قِـبْلَة) فصاحب الشقة “الطماع الهَلّات” ينظر إلى النازح على أنه رزق هبط عليهم من السماء وساقته اليه حروب الاخوة الأعداء، فلا مُسمى لهذه الممارسات النذلة الجبانة إلا (قِلة وطنية ومرؤة،وقِلة شهامة،وفوق كل ذلك تسمى “بالمفشري وبالعربي الفصيح” قلة دِين صارخة).

عزيزي هشام:

إنّ ثورة (القومية العربية) التي سادت أكثر من أربعة عقود في بلادنا صنعت عباقرة من جهابذة اللغة العربية فصار أولادنا البؤساء يكتبون كلمة نحن (نَحْنُو)، وصارت كلمة الجلاء تكتب (الجَالَاء) على جدران مبانينا المتهالكة، في الأسبوع الماضي كنت في زيارة لأحد الأصدقاء في حي الدولار الراقي شاهدت على أحد جدرانه كلمة (الجَالَاء) لم أفهم معناها حينها (استعنت بصديق) على طريقة مذيع “الإمْ، بي سي”، جورج قرداحي، وسألته عن معنى كلمة (الجَالَاء) فساعدني بفك طلاسم هذه الكلمة وأوضح لي أن كلمة الجلاء يكتبها معظم طلابنا هكذا (الجَالَاء)، التفت اليه مباشرة وأخذت ادندن وَاُغَنّـي له اغنية شعبية قديمة  تُحَرّض على الجلاء والفرار إلى الأوطان الخوالي “ودّكْ غَيْر.. تَمْشِي دَوْمْ.. جَالِي”.

ان سياسة التعليم قامت في الجماهيريات الأولى والثانية (على قدم بدون ساق)، فساقتنا إلى لغة  جديدة فريدة عجيبة لا يستطيع أحد من ملايين الشعوب الناطقة بحرف الضاد أن يفكك شفراتها وطلاسمها إلا طلاب (الجماهيرية الثانية)،فمدارس أولادنا ومناهج تعليمها عبأت رؤوس أولادنا بالجهل وعلمتهم كتابة كلمات مثل الجلاء ونحن على هذا النحو (الجَالَاء، وَنَحْنُو)،إن وزارات تعليمنا المتعاقبة وتعاليم مُفكرينا أنتجت لنا أجيال جاهلة أمِية متخلفة عاجزة عن كتابة أبجديات لغتها الجميلة، فسقطت تلقائيا تلك الأجيال (المٌجهّلة المظلومة)، في محاورالموت والقتال ثم وجدت نفسها تائهة غارقة في جعجعت السلاح وتجارته وترويجه حيث وجدت فيه أقرب الطرق وأيسرها للوصول إلى المال والسلطة والجاه..، (يا ألف ألف آه، وآه)، يا هشام.

استغل نظام المدارس والمعاهد الخاصة فتمكن كل من (هَبّ، وَدَبْ) اقحام جهله وطمعه في مجال التربية والتعليم فأنتشرت (المدارس، والمعاهد فى كل مكان)،وقادَ حملة التجهيل المنظمة هذه صاحبات وأصحاب ضمائر جشعة همّها الأول والأخير جمع أموال طائلة على حساب نهضة وصعود والوطن.

عزيزي هشام:

“فأنا لست بسكران ,,, ولكنى مُتْعَب ,,, إنّ  قلبي يتعذب”.

حكاياتنا و(سهارينا، ومَشْكَانَا) وأحوالنا في هذه السنوات العجاف موجعة مبكية ومقرفة فيا صاحبي العزيز لا أبالغ هُنا حين أصف لك حالتنا فهذه هي (وَقْـعـَتُـنا) وذاك هو واقعنا، فأنا يا سيدي لا أرغب مطلقا، “وحقّ رَبّي” في أن أدخل الأحزان إلى قلبك النابض بمحبة مدينتك ووطنك وأهله الكرام لكن هذا هو (الحال، والأحوال),اعذرني يا صديقي فأنا مُتْعَب وذهني مبعثر متشتت صرت أنتقل بك من موضوع، لآخر دون ترتيب فرتب أنت كما شئت هذه (الكواين، والخورق) حسب حروفها الأبجدية إن استطعت ولا تحزن.

إن مدينة بنغازي التي أطلقت عليها وزارة الثقافة في عهد وزيرها الحبيب لامين اسم مدينة الثقافة !!،تكدست فيها (الكنايسْ)،… والمدارسْ.. الخاصة، فأصبح ما بين (المدرسة، والمدرسة) جبال من (الكنايس)، ومبنى بدون “مراحيض” وبدون أساتذة أصحاب كفاءات وبدون شبابيك وأبواب وأدراج وبدون فناءات فسيحة للعب التلاميذ فغالبية مباني المدارس الخاصة كانت في الأساس بيوت للسكن ولم يعتقد أصحابها أنها ستتحول إلى مدارس خاصة بعد قيام انقلاب سبتمبر وسُوْنامي فبراير، فهذه المباني لم تُبْنى على أساس مدارس لتعليم وتنوير التلاميذ فهي عبارة عن (حَوَاشِين) بائدة تحولت في أزمنة (الهيدقه) إلى دُور للتربية والتعليم انتشرت تلك الظاهرة وعَمّت البلاد وعمّ معها ثقافة جديدة يبدو أنها مقصودة ومُبرمجة لتعميم الجهل وفرضه بالتدريج ومع هذا البؤس فإن تكاليف الدراسة في هذه (الخِرَب) التجهيلية المتهالكة مرتفعة جداً فأسعارها تقترب من أسعار جامعتي لندن واكسفورد في مملكة العلم والعلوم بريطانيا !.

ان نسبة نجاح طلبة الشهادة الثانوية العامة هذه السنة وصلت إلى 91% وهي نسبة فاقت نسبة نجاح طلبة الشهادة الثانوية في دولة السويد المستقرة التي لا ينقص شعبها شيء، مع الأخذ في الاعتبار أن الفترة والموسم الدراسي هذا العام لم يصل الى ثلاثة أشهر فقط نتيجة الحرب والتهجير وتحويل المدارس إلى مراكز ايواء للنازحين فلا أفشي لك سراً أن أوراق أسئلة الإمتحانات توزع على الأحباب وذي القربى وابن السبيل (عينى عينك) أمام أعين لجان مراقبة الإمتحانات، وفي كل مكان!!.

عزيزي هشام:

ان قادة وساسة وأحزاب ونخب هذا الوطن وضعوا أصابعهم فى آذانهم، و(…..)  وطفقوا يتآمرون على هذا الوطن العظيم وشعبه العزيز،مع سبق الإصرار والترصد دون اكتراث بما حل من خراب ودمار وتبديد لثرواته وسيادة أراضيه فقد صرنا (مَطْمَعة، وَمَلْطَشة) لإدريس دبي وحسن البشير وأولاد المكتوم، وعيال الشيخة موزة، وَ”رَاجلْهَا” (غضيب الوالدين) الشيخ حمد وكذلك تركيا، وايطاليا، وصولا إلى سيسي مصر وسبسي تونس مروراً بالرئيس الأوغندي موسيفيني الذي تشجع في أرذل عمره و(استرجل علينا)!؟ وصار يجلس مع وفود بلادنا واضعا “شلاكته” المثقوبة العفنة في وجوه قادتنا وأعضاء برلماننا ” النجباء”؟.

عزيزي هشام:

استأذنك الآن إني ذاهب إلى أحد المقاهي وسألتقي هناك بحزمة من الأصدقاء الجيّدين رغم عدم وجود الكهرباء و(طرطرة المواتير) وضجيج رواد المقهى وحكاياتهم الطويلة عن بوسهمين وعقيلة صالح وصاحب الابتسامة الباهته البليدة ثقيل الدم والروح صالح المخزوم والرائد الحجازي وصنديده والاخوان “وَزَقَاطَاتهم وأفَارِيّاتِهم الحلال!”، وكذلك التحالف وجبهة “عيت” الانقاذ وصاحبها (البكاي) سَاكِب الدموع الغزار وكذلك حكاياتهم عن الدوري الأسباني والنجم الرياضى (ميسي) الذي يحبونه ويحترمونه أكثر من فضيلة مفتي الديار. . وبقية(بيّاعة) الأدوار.. ساسة الوطن!!؟.

فالمقاهى هنا أكثر (من الهم على القلب)،غير أن خدماتها رديئة للغاية فلا وجود لنادل يخدم الزبائن، فالزبون في مقاهينا يخدم نفسه بنفسه وعليه أن يحترم نفسه ولا يزعج النادل بكثرة الطلبات ففي مقاهينا تقدم المشاريب الساخنة كالقهوة والمكياطة والشاي فى أكواب من الورق الرديء الضعيف فحاذر أن تحرق يديك حين استلامها وانتبه أن تندلق على ملابسك حيث لا وجود لورق “الكلينيكس” في مقاهينا ولا وجود لدورات المياه، فالمواطن والزبون حين يحتاج غسل يديه أو قضاء حاجته ليس أمامه إلا خيارين لا ثالث لهما إما ان يقضي حاجته على نفسه ويُمنح بالمجان لقب (الشّخَاخْ) لِيُكْمِل بهذا الاسم الجديد بقية عمره، أوْ (إيْصَحِحْ) وجهه ويختفى خلف احد المركبات، ويرفع رجله اليُمْنى، كأحد الكلاب أعزّكم الله، ويقضي حاجته دون أن يلتفت إلى أحد، فغالبية المحتاجين يفعلون ذلك في بلادنا!!؟.

عزيزي هشام:

هل هناك علاقة بين مقاهي بنغازي التي لا يوجد فيها (كنْفَان) ومراحيض مع برلمان طبرق ومؤتمر طرابلس؟ مع علمنا المسبق بأن أعضاء وعضوات البرلمان والمؤتمر أجسادهم وملابسهم غارقة بالروائح والعطور الباريسية الفاخرة غير أن سلوكهم وآدائهم وأدبهم تجاه وطنهم جعل رائحتهم عفنة مقززة تقشر منها النفوس والأبدان.

عزيزي هشام:

كدت أنسى في هذه الزحمة الألماني السيد كوبلر الذي تخلى عن دبلوماسيته بعد أن غطى شعر رأسه الأشقر ولبس (الشنة) البرقاوية الحمراء وصارهذه الأيام (يقرص) ويَشد ويفرك في أذان ساستنا وقادتنا المليئة بالصديد مع قليل من (التفنيصات والتفال)على وجوههم حتى انصاع الجميع صاغرين أذلاء مقبلين آياديه  سراً وعلانية،فقد تعلم السيد كوبلر بعض أمثلتنا الشعبية، واختار، وطبق عليهم مثل (الكلب ما يعرف إلا خانقه) حشاكم أيها الكرام فصاروا جميعا الآن يهتفون و”يرطزون” أمامه قائلين بصوت واحد جهوري (غير ارْضَى يا ضَيْ قمرنا) و(اللي ياخذ اُمنا هُوْ بُوْنا)، وأنت بُوْنا. .وهتلر خُوْنا.. والجنرال الجديد غرسياني الصغير ( بُوْنَا اُوْبُوْهَا وكَيّالْهَا).

عزيزي هشام:

يبدو أن (بُوْهم) الألماني (امرابط)، فقد انقطع الآن الكهرباء على منطقتنا الليلة للمرة الثانية وها نحن نعيش في الظلام نستكمل بقية ليالينا المظلمة الباردة لكننا يا هشام الخير لن نيأس أبداً.. أبداً..،وسنهتدي في هذا الظلام الموحش بقمر الله  وبشمسه الساطعة الدافئة، ورغم الهوان والذبول ستورق أغصان هذا الوطن لا محالة بإذن الله وارادة شعبه العظيم (غصبا) على نذالة وخيانة الخائنين،إنها ليبيا الصابرة المصابرة العظيمة الجليلة فرغم انقطاع التيار الكهربائي المتواصل وانقطاع الخبز والدقيق وغلاء المعيشة وحياة النزوح والموت المتربص بالناس في كل مكان فلا تزال مدينة الألم والأمل بنغازي صامدة تقاوم بأنفة وكبرياء وشجاعة الظلام الدامس ولن يرهبها قناصها الأحول اللعين ولا طيارها الأعشى اللئيم وستبقى بنغازي كما خلقها الله وأرادها بوصلة للوطن و”قَنْطَرَته”، فهذا هو قدرها لن تخون ولن تستسلم ولن تهادن ولن تساوم ولن تتخلى عن “ضناها ” انها بنغازي ولم  يخلق الباريء المُصور عزّ وَجل إلا بنغازي واحدة  فقط في أرضه الواسعة.

عزيزي هشام:

هذه الحكايات يا صاحبي ليست شكوى من مدينتي ووطني وناسي انها (تنفيس على الخاطر) فقط، فيا صاحبي هشام سنظل نصرخ ونقاوم مع أهلنا وناسنا ونقول للخونة وبيّاعة الوطن والطغاة السفلة الأقزام:

(وطني ليس حقيبة، وأنا لست مسافر).

عزيزي هشام:

الحديث معك شيق وممتع رغم كل الأوجاع والآهات اذا كان في العمر بقية، فللحديث بقية.


فتح الله عمران ابزيو

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.