الرسالة الرابعة…إلى الصديق “هشام بن غلبون”

[post-views]
95

بوابة ليبيا الاخباري 

عزيزي هشام بن غلبون… تحية طيبة وبعد…

على نغم ولحن شَجيّ، ومَقْطَع رائع بديع لأغنية جميلة،وعبر جهاز تسجيل قديم يستمع صاحبك الآن إلى السيدة أم كلثوم،تشدو بصوت رخيم، بدّد وحشتي في ليلة ظلماء طويلة ثقيلة..صاحبك يا هشام، يستمع ويستمتع على دوي القنابل،والصواريخ العمياء الحاقدة الجاهلة، التى يصاحبها دخان كثيف ينبعث من اكوام (كنايس) محترقة تُحاصرنا في حي السكابلي، وبقية أحياء المدينة، ورغم هذا الكابوس الثقيل، تُشَنّف اُذنيَّ وتطربني هذه اللحظات كلمات قصيدة مُبجّلة فاخرة، بصوت عذب ينطلق من حنجرة، وأحاسيس مرهفة، ومَخارج حروف واضحة، وصوت نقي تصدح “ست الكل” (تُقْبِل الدنيا.. على أهل الهوى.. اُنْساً وطيبا) فآنسَنِي وَأنْسَانِي طِيب كلماتها  ساعات عنيفة مثقلة برعب قنابل، وصواريخ تُسمّيها قناتي النبأ والتناصح (عشوائية!)، إضافة إلى قناص (أحول) وطيّار(أعمش) وتهريج،وبذاءات قنوات فضائية خائنة خائبة تبث فحيحها،وسمومها من خارج الوطن وداخله محرّضة على الموت وخراب الديار،من أجل وعود بمناصب ووجاهة زائفة زائلة وحفنة مال حرام يُقبض من دول وأجهزة استخبارات عربية ودولية تتآمر على بلادنا وأهلها (عَيْنِي عَيْنك) في واضحة النهار!.

عزيزي هشام:

سحب دخان (الكنايس) العفنة يملأ سماء المدينة الآن،يخنقنا في ليلتنا الموحشة داخل غرف بيوتنا،ويتبعه نباح كلاب سارحة ضالة تُزاحمنا وتخيفنا فى طرقاتنا وأزقتنا،ونقيق ضفادع عششت وعاشت معنا في مجارى، (خرارير) نهر السكابلى العظيم!، وفي خضم هذه المحن والكوابيس القاسية يَجْفل “خَاطِرِي” بعيدا ويتذكر رفاقه وسنوات طويلة قضاها مع أصدقاء ورفاق وأحباب كرام فى منفى صار لهم وطنا..، ويسرح “الخَاطِر” ويرحل بعيدا.. بعيد، إلى تلك البلاد (الكافرة) التي آوتنا وَعِشنا فيها أكثر مِمّا عِشنا فى بلادنا المسلمة الجليلة.. (تجفل خَوَاطِر) صاحبك، فيعجز عن كبح جماحها ولجمها،وها هي (تَـفِر) اليك بأجنحة مشرعة وقلب مثقل بآلام وآمال، متحدية ورافضة للرصاص.. و”الأحول” القناص..،وطوابير الخبز المهينة، و(موتا بالمجان على طول الطريق)،حاملة تحت جناحيها، رسالة متواضعة مليئة، بحكايات، و(سهاري) تفيض بمودة وتقدير واحترام، ووجع، وآهات وشوق، وأمل لا ينتهي أبدا.

عزيزي هشام:

قادني وحَمَلني “خَاطِري”، وحَطّ بي هناك في لندن بعيداً عن مكابدة مشقة السفر من  مطار الأبرق (العالمي) حيث العذاب، والمعاملة القاسية (الحيوانية) أعزّكم الله، تلك القسوة المتعمدة التي يتعرض لها أحفاد ادم وحفيداته،في مطار(عَليّْ الطلاق إنْ يَقْسَمُوا) وفي هذا المقام تنجلى قدرة الله عزّ وجل فى خلقه حيث أنه لا تستطيع أيّة ميليشية أو فرد يحمل السلاح أو قوة مدججة بالموت والحقد أن تمنع المرء من صيد خواطره وحبس خياله، ومنعه من الرحيل والسفر بعيدا حيث يريد، ومتى أراد غصباً عن قسوة القُساة ومطار (عليّ الطلاق) في قرية الأبرق الجميلة وهناك يا صاحبى في عاصمة المملكة العادلة، جَال “الخَاطِر”، مُسرعا فوصل سالماً آمناً مطمئناً الى تلك المدينة الرائعة يتنقل بين أحيائها ومقاهيها النظيفة الجميلة بعاملاتها الشقراوات الجميلات وحدائقها البديعة وميادينها الفسيحة، حتى وصل القصر الملكي العامر بالإنسانية والعدل حيث ينتصب قصر باكنغهام بالاس في قلب مدينة لندن، ويتذكر (الخاطر) وَيَذكر حكاية كانت يومها حديث الناس والصحافة وبقية وسائل الاعلام البريطانية والعالمية، وهذه الحكاية مسرحها غرفة وسرير نوم ملكة بريطانيا إليزبيث الثانية.

عزيزي هشام:

تخبرنا الحكاية عن امرأة نحيلة رقيقة.. بنت “اُصول”، و”حسب ونسب”.. حَكَمَت.. فَعَدَلَت..فنَامت مِلْءَ جُفُونها دون حراسات وكتائب وجيش وثوار وحرس رئاسي وألغام ومفخخات و”أرْبَعْطاش ونص”. صباح يوم الجمعة 9 يوليو 1982م، تسلق شاب بريطاني يدعى مايكل فاغان أسوار قصر الملكة قادته قدماه التائهة عبر ردهات قصرها البهيج الى مخدعها،حيث كانت صاحبة الجلالة تغط فى نوم عميق جلس الشاب فوق حاشية سريرها يتأمل في ملكة دولة كانت ذات يوم إمبراطورية عظمى لا تغيب عنها شمس الله، غير أنّ حركة مَايكل داخل الغرفة أيقظت صاحبة الجلالة من نومها وبحكمة الملوك والقادة العقلاء حافظت على رباطة جأشها وخوفها،من وجود شاب غريب تسلل ثم جلس فوق طرف سريرها وبرصانة أهل الحكمة والعدل تبادلت الحديث معه مدة عشرة دقائق قبل أن ينتبه له حراسها ويتم القبض عليه ويحال إلى القضاء، اعتبر قضاء” الكُفار” العادل أن ما قام به الشاب مايكل خطأ مدني لا يعاقب عليه القانون ولم تُصنف فعلته جريمة جنائية وتمت محاكمته على هذا الأساس، لكن الشاب مايكل لم يفلت من عقوبة احتسائه نصف زجاجة نبيذ معتق وجدها بينما كان يتسكع فى (حَوْش الملكة)،تم إسقاط التهمة عنه عندما أثبت مُحَاميه أنه يعانى من اضطراب نفسي بسبب فقدانه لوظيفته وَتَرْك زوجته له،بعد هذه الحادثة علق أحد الظرفاء فى صحيفة أمريكية قائل: فهمت الآن، باستيعاب لماذا يُنشد الشعب البريطاني عبارة حفظ الله الملكة فى نشيدهم الوطني، فماذا بعد ذلك؟.

عزيزي هشام:

تَخيّل يا صاحبي ماذا تكون عاقبة البريطاني مايكل فاغان لو أن الله خلقه عربي وقام بمثل هذه الفعله، أو أقترب لا قدر الله من بيت أوْ زريبة أو خيمة مزركشة، أو (بَرّاكَه)أيّ (شِّنْكَـة) مسئول في متصرفية أو بلدية أو مثابة تقع في حدود بلاد العرب،وحق الله يا صاحبي، لو أن مايكل عربي وقام بهذا الفعل في أي جزء من بلاد (الأعاريب) أو أي بقعة من الأرض الشاسعه،الغارقة في الظلمات و(الكنايس) الواقعة ما بين المحيط الهادر إلى الخليج الثائر لأجلسوه عاريا (مَلْطًا) كيوم انتزعته القابلة من أحشاء أمه،على زجاجة ذلك النبيذ المعتق التى (قَرْطَعَهَا) قبل أن يبدأ التحقيق معه،وقبل أن يخرجوه من غرفة نوم صاحبة الجلالة الفسيحة الى (دَار خَالته الضيّقة).

عزيزي هشام:

كِدت أنسى ما ذكره الشاب مايكل،لإحدى الصحف المحلية، فقد قال: انّ شَعر الملكة خفيف للغاية، وأن رأسها يشبه (قرعة مَلْطاء)، فقد شاهد (باروكة) شعر شقراء اللون على دولاب زينتها،وهذه المعلومة تعتبر من الأسرار الإستراتيجية السرية التي تخص أمن الدول فى بلاد (العرب) وبالتالى،فإن هذه المعلومة كفيلة بإستبدال زجاجة النبيذ، بـِ (فَـاشْكَة) كبيرة الحجم، كي تتمكن من تمزيق أحشائه، وأمعائه فى اسرع وقت ممكن، ليكون عبرة، لغيره، من أجل ذلك فإن مايكل كان محظوظا، للغاية حيث أن الله لم يُنْبته في سلخانة (بلاد العرب أوطاني) ففي تلك الأوطان البائسة تحتفظ الدول واستخباراتها بجميع أنواع وأحجام الزجاج من أجل إدخالها في (ذيول) ومؤخرات مواطنيها وقت الحاجة، حين تجاوزهم حدود الأدب واللياقة مع حكامهم خزاهم الله.

وحيث أنني لا زلت (ندّهْوَرْ) قرب قصر باكنغهام،اسمح لي أن أذكر حكاية أخرى حدثت في ذلك (البَالَاص) ففي النصف الأول من ستينات القرن الفائت  وفي اتون صراع الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي،قام الزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف بزيارة الى المملكة المتحدة، حيث أقامت له الملكة إليزبيث مأدبة عشاء على شرفه،وأعضاء الوفد المرافق له وأثناء استقبالها له، تماشيا مع البروتوكولات المتعارف عليها قامت الملكة بالسلام على ضيف مَمْلكتها كان يقف بجوارها زوجها الأمير فيليب،قدّمت الملكة زوجها الأمير للسلام على خرتشوف وقبل أن يمد الامير فيليب يده للسلام التفت خرتشوف تجاه الملكة وبادرها قائلا، أعرف هذا الرجل يا صاحبة الجلالة وأعرف جيداً طبيعة عمله الليلية لكنني لا أعرف على وجه التحديد ماذا يفعل في النهار؟ غَطّتْ الملكة بيدها ابتسامة خجولة لاحت على وجهها الطفولي،وواصلت ترحيبها بضيف دولتها،من أجل مصالح وطنها غير مُبالية، بسخرية وقِلّة ذوق ودعابة خرتشوف الماكرة الفجّة. 

احتفلت ملكة بريطانيا إليزبيث الثانية العجوز العادلة في الأسابيع الماضية بعيد ميلادها التسعون واحتفلت معها وَبِها رعيتها،دون نفاق و(حَجِيل، وَرطِيز)، فخلال هذا العمر المديد الذي قضت منه 63عاما بالتمام والكمال ملكة متربعة على عرش المملكة المتحدة، وخلال هذه الفترة الطويلة التي حكمت فيها الأمة البريطانية،مارست إليزبيث الثانية مسؤوليتها الدستورية،والقانونية بإنضباط ونزاهة، وشرف الوظيفة المكلفة بها،لم (تَتَفَرْعَن) ولم تتوحش على شعوبها،ولم تتعدى على أموال بيت( المسيحيين، الكاثوليك، والبروتستانت معاً), ولم تطالب شعوب تلك الجزيرة المُغلفة بالصقيع والضباب والغُيوم والجليد،بالهجرة والرحيل الى أفريقيا الساخنة وطلاء وجوههم باللون الأسود،كما فعل معنا ذات يوم (صاحبنا) الراحل ملك الملوك “بِسبْـلة” أن الجزيرة البريطانية (صقع عليهم)،فكل عام وهذه العجوز العادلة بخيروعافية تلك السيدة التي لا يظلم في مملكتها أحدا، فكل عام وملوك وقادة العالم العادلون.. العادلون ..فقط بخير، وكل عام وشعوب العالم العربي والاسلامى بخير تلك الشعوب الكئيبة المضطهدة التي ألهبت ظهورها سِياط الطغاة المهينة،ومزقت أحشائهم و(تَوَانِيْهم، شّيَشْ) مياه بن غشير السميكة والبيبسى كولا وخوازيق الدول الثورية والرجعية أيضا… فــيا ألف ألـــف آه….

عزيزي هشام:

الحديث عن الميادين والساحات الفسيحة في لندن جَرّنِي الى ميدان محكمة مدينة بنغازي تلك المدينة العتيدة العنيدة قنطرة الوطن..، وبوصلته عبر العصور وأوقات المحن فقد اجتمع الآلاف من الناس هناك رافضين الظلم والعسف والقهر والفقر والجنون، و(العَنْطَزَه، والمَرْطَزه), اختارت الجماهيرالغاضبة أثناء ثورة 15فبراير المجيدة هذه الساحة،للمطالبة بإسترجاع حقوقهم التي سلبت منهم، وإرجاع العدل الذى غاب عنهم اكثر من أربعة عقود عجاف مريرة،ففي هذا الميدان يقع مبنى المحكمة حيث تَعْلُو هذا المبنى العتيق يافطة رخامية كُتب عليها بخط التاج البديع آية قرآنية كريمة،(وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)..تَوْق الناس وتطلعاتهم،للعدل والمساواة جعلهم يتجمعون وينطلقون من هذا الميدان كي يسمعوا بقية اخوانهم فى الوطن،وشعوب، وقادة هذا العالم (ثقيل السمع) صرخة رفضهم للظلم والتسلط.

إنّ إشهار وإعلان الخلاص من ميدان المحكمة بالذات يحمل فى طياته شَوق الناس وحنينهم، للعدل،والعدالة التي تاهت في سراديب الجماهيرية المظلمة وفي زحمة الثورة،ونشوة الفرح وقرب الانتصار على الدكتاتورية المقيتة تسلل العديد من الانتهازيين واخترقوا صفوف الجموع المليونية الثورية الهادرة المتعطشة،للإنعتاق وخلع نير الذل (تشعبط) الإنتهازيون على اكتاف وعرق وطموح وآلام وآمال ودماء الناس، “كَارِسِين “خلف شعارت جميلة بَرّاقة دغدغوا بها مشاعر الناس على ضوضاء الكشك والأناشيد الحماسيّة، وضجيج الميكروفونات، (فَفَحّجُوا) واستطاب لهم المقام فوق منصة المسرح، مُعَبَئين بأحلام الحكم والدسائس وأموال ضخمة لا يعرف أحداً مصدرها،وقد بدأ (تَلْعِيْب البروفات) على تمثيل الفلم مُبكرا،تماهيا مع نَصْ وتعليمات (المخرج) الأجنبي الذى دخل على خط  الثورة متسللاً بمكر وحرفيّة وقوة ودهاء ودناءة.

عزيزى هشام:

لم يكن للاخوان وجبهة الإنقاذ، والتحالف، من صوان إلى الشيخ الصلابي إلى محمود جبريل والمقريف إلى بوسهمين والكيب، إلى صهد الذى وصل أرض الوطن بعد أن سكتت المدافع ثم طار على عجل إلى البريقه حيث كان أحد أتباعه يهتف له في الفيافي القاحلة، (يا قذافي يا جبان.. ابراهيم في الميدان!) كل ذلك مسجل بالصوت والصورة والساعة والتاريخ، واضافة إلى هذه الاسماء، زِدْ عليها زيدان والثني والحاسي وعقيلة صالح والسراج، و(كَبّانِية) سي صالح صاحب الخواتم، و(التل)، وبقية من حكم وتحكم في بلادنا من أولئك القادة وصولاً إلى أحمد معيتيق وشقيقته السيدة نهاد التي غنمت بالأمس منصب وكيل وزارة (الأفاريات البرّانِية)!، فجميع تلك الأسماء والمسميات لم تكن لها علاقة بالثورة واشتعال شراراتها الأولى من بعيد ولا من قريب فجلهم سمعوا وتابعوا أخبارها عن طريق وسائل الإعلام، بل ان كثيرا من أصحاب (القراويط) الحريرية الذين سكنوا، و(برطعوا) فوق منصة المحكمة وخلف مكبرات الصوت لم تتعدى مشاركتهم في الثورة سوى القاء الخطب الحماسية ولعن (القائد) وشتمه والدعاء عليه (عن بُعد) من فوق المنصة، يوم كان (القائد)، في غرب الوطن (وَاهِقْ، ومتزرط) في ما بذرته يداه خلال حكمه الظالم الشاذ،وحين كانت دماء أبناء وبنات الوطن ترْوِي تراب أرضه في الساعات والأيام والأسابيع الأولى أمام كتيبة الفضيل بوعمر وتحت وفوق جسر جليانا،ومفرق الطلحي في البيضاء وكتيبة الجارح في مدينة شحات ومطاردة فلول النظام في الغابات وعلى شواطئ سوسة وأمام مقر مديرية المخابرات في درنة وتدمير مقولات الكتاب الأخضر في مدينة طبرق وحرث مدرج مهبط مطار الأبرق، لمنع وصول الامدادات عن الكتائب.

وحين امتدت ثورة الغضب والفزعة لبنغازى من أشقائهم في الزنتان والجبل الغربي والزاوية وسوق الجمعة ومصراته، وبقية مدن وقرى وواحات الوطن لم يكن لتلك الأحزاب جميعا شرف المشاركة،في هبّة هذا الشعب الأبِيّ العظيم، فكل تلك الأحزاب التي ساهمت في حرق الوطن بتصارعها وتكالبها اليوم على السلطة،والسلاح وخزينة بنك ليبيا وبقية الغنائم  سواء كانت أحزاب علمانية،أو اسلامية، أوْ وطنية أو من أطلقوا على أنفسهم المستقلين، فجميع أولئك الانتهازيون الذين تصدروا واجهة الوطن كانوا (ياكلوا، وايقيسوا) بل أنّ غالبيتهم كانت تأكل فقط دون (تقيس) حيث كانت علاقتهم “بوَلِي الأمر” الدكتاتور وابنه صاحب مشروع شركة الغد الاستثماري “عسل على سمن.. ودحنسة.. ومراجعات.. وتراجعات في السر..والعلن”، فجميع تلك الأحزاب والمسميات دون استثناء التي (تفرعنت واستغولت) بعد أن كانت مُدَاهنة وديعة تمارس مقولة الفئران المسالمة (نَلْحَسْ مَسَنِي.. وانْبَاتْ مَتْهَني)، لم يكن لها موقف معارض واضح خاصة في السنوات الأخيرة من حكم (ولي الأمر، وولي عهده المحبوب!)، وفي ذات الوقت لم يكن لها أنصار في الشارع ولم تكن لها قواعد شعبية راسخة على أرض الواقع بالمفهوم والمعنى الحرفي لكلمة الحزب، داخل الوطن وخارجه.

عزيزي هشام:

وحق الله يا صاحبي لا أبالغ حين أقول لك أن كل  تلك الأحزاب مجتمعة تستطيع أن تجمعها و(تَلُم) جميع عناصرها في خيمة كبيرة واحدة،وإن ضاقت بهم الخيمة فميدان الحدادة الصغيرالواقع ما بين سوق الظلام وسوق الجريد يتسع لهم جميعا…إن أنصار فريق كرة قدم من الدرجة الثالثة في أحد القرى الليبية الصغيرة أكثر جمهورا وشعبية،من أعضاء ومنتسبي كل أحزاب ليبيا مجتمعة،لقد تمددت  يا صاحبي هذه الأحزاب، بعد ثورة 15فبراير واتكأت (على دنانير، وأرصدة خزنة قارون السَايْبَة) ومارسوا شراء الذمم مستغلين ظروف أبناء شعبهم الصعبة واحتياجاتهم وتطلعاتهم للسفر خارج الوطن،للدراسة والتجارة والعلاج والنزهة لقد استغلت،وَ(دَوْغَشّتْ) تلك الأسماء البرّاقة المخادعة،على الجماهير التي ازدحمت،وضاقت بها ساحة التحرير،فصارت تلك الأسماء تُسَيّر الجماهير، بشعارتها الزائفة المزيفة فالعدالة التي كان الناس يتطلعون اليها،ويبتغونها لا تعني أبداً، في العقل الجماعي للأمة الليبية، حزب العدالة والبناء، والجبهة التي يريدها الناس لا تعني مُطلقا عند الجماهير المطحونة جبهة (وَجِبَاه) العائلة والأصهار تعني، (بالمفشري) الصريح عند الناس ((كل الجباه الصلدة المستعدة للنطاح))، من أجل الكرامة والنماء والنزاهة والأمن والاستقرار,أمّا التحالف الذي كانت تهفوا اليه أفئدة الناس،ليس تحالف الدكتور محمود جبريل الذي كان في الأساس حليفاً ومهندسا ومنظرا، (لولي عهد) الحكم السابق، فالتحالف الذي تشتهيه الناس، وقدمت من أجله العزيز والغالي، هو تحالف من أجل وطن عظيم يتسع للجميع يسوده العدل والمساوة غير ذلك يصبح كله ((دَفَنْقِـي زايد)) ومسميات شيطانية ونباتات (إبْعَلِيّة) مليئة بأشواك ملعونة و(بلعطة بلاعيط) يسعون بكل السبل للإنفراد بالوطن ومواطنيه،ونهب ثرواته الطائلة.

عزيزى هشام:

عودة وَعْي متأخرة،وحنين ( لِمَاضِي زَالْ ….)…بعد أن كسر الناس حاجز الخوف وانطلقت أول صرخة مُحرّضة على الثورة المجيدة (نُوْضي نوضي يا بنغازي… جَاك اليوم اللي فيه اتْراجِى)، في أمْ المدائن قنْطَرة الوطن، وَعِزْوَتِه ((ورُمّانة)) مِيزانه,عاد للناس وعيهم وذاكِرتهم وتذكروا دولتهم المحترمة،وعلمها ودستورها ونشيدها ومَلِيكها الورع العادل عفيف اليد واللسان طيب الله ثراه…رفرفت راية الاستقلال المجيدة عالية خفاقة فوق ساحة محكمة بنغازي،لِأول مرة منذ 42 سنة (داخل الوطن)، بعد أن تم الغائها وتمزيقها ورميها في سلة المهملات من قبل العقيد الذى أهانها وأستبدلها خمس مرات حسب مزاجه وشطحاته خلال فترة حكمه المتقلب، فقد كان الحاكم السابق يستبدل راية الوطن كما يستبدل (شخاشير كندرته) وملابسه الداخلية دون استشارة أحد من أبناء وبنات رعيته !؟….فماذا بعد ذلك؟…من فوق المنصة وفي ساحة الإنعتاق والخلاص استمعت الأمة الليبية بكاملها، وبكامل قواها العقلية، فأنصتت، بقلبها وعقلها وضميرها لنشيد دولتها التي تآمر عليها المتآمرون القدماء عام 69م في القرن الماضي ومرة أخرى في زحمة الثورة تَدَخّل (مَقص الرقيب) والمتآمرون الجدد في الأسابيع الأولى للثورة،وألْغوا فقرات من النشيد الوطنى التى تقول: (حىِّ إدريس سَليلَ الفاتحيــن.. إنه فى ليبيا رمز الجهاد.. حملَ الرّاية فينا باليمين.. واتبعناهُ لتحرير البلاد.. فَانثنى بالمُلك والفتح المُبيـن.. ورَكِّزنا فوق هامات النجاد.. راية.. حُرّة.. ظَلّلت بالعِزّ أرْجاء الوطن… ليبيا.. ليبيا.. ليبيا )…حدث هذا التزوير في بداية البدايات ولم يكن لهذا الغش والاحتيال الذي تم مع سبق الاصرار والترصد أي مبرر، وبذلك غَبطوا حقّ أول مؤسس، للدولة الليبية الحديثة وأنكروا جميل صنعه وتاريخه المشرّف بشطب اسمه من النشيد الوطني.

كان الناس يَتُوقون ويتوقعون من قادة المجلس الإنتقالي ومن تبعهم من حكومات عديدة أثبتت جهلها وجشعها وفشلها وضيق أفقها على جميع الأصعدة أن يكون من أول قرارتهم الإنصاف وَرد الإعتبار والإعتذار لقائد الاستقلال المجيد بإلغاء حكم الإعدام التعسفي الجائر الذى صدر بحقه عام 1970م، في محكمة انقلابية عسكرية هَزَلِيّة، مُستهترة، برئاسة الرائدين بشير هوادى، وعمر المحيشي، لكن قرار الإعتذار ورد الإعتبار، للسيد الجليل محمد ادريس السنوسي يبدو أنه كان قرارا عظيما كبيرا على قادة صغار أتت بهم (الصُدف) والدسائس وأشياء أخرى الى سدة حكم بلادنا,فقد أخذ القادة الجدد دون حياء،و(بِفَهْلوة) علم دولة الاستقلال المجيد ونصف نشيدها الوطني!؟، وتجهالوا مُتعمدين دستورها العصري الرائع فصارت كل (كَبّانيّة) ترغب وتسعى بتآمر و(رزالة)، لكتابة دستور البلاد، على مقاسها وَهَوَاها ومقاس أفكارها الدخيلة على ثوابت الأمة الليبية التي قيّدها وضبطها،بدقة وإنصاف دستور الاستقلال المجيد.

عزيزى هشام:

بما أننا نعيش فى زمن الغش وتزوير التاريخ والعملات وجوازات السفر والمواقف والوجوه والمبادىء فهل يحق لنا أن ننشد، ونصرخ بأعلى أصواتنا حتى تبح وتتجرح حناجرنا وتنشف حبات قلوبنا ونلعب ونتلاعب بكلمات وفقرات نشيدنا الوطنى الرائع ونغير فيه، ونبدل فقراته كي تتماشى مع واقع هذا الزمن الردىء البائس، وبدل من أن نهتف وننشد بهتانا وزورا ونقول: انهم ..قد حرروا هذا الوطن…أعتقد أنه لن يلومنا أحد، حين ننشد، حتى يسمع القاصي، والداني ومن بأُذنيه وقر في هذا العالم المتكالب علينا،ونسمع الجميع، بملء أفواهنا، وبعقولنا، وقلوبنا المتعبة؟. انهم ..قد خربوا..هذا الوطن. ليبيا.. ليبيا.. ليبيا.

عزيزى هشام:

الشيء، بالشيء يذكر…صادف يوم 25 مايو الفائت ذكرى رحيل الملك محمد ادريس السنوسى طيب الله ثراه، وفى هذه الذكرى،يتذكر المرء مناقب الرجل الكبير وجهده وجهاده من أجل وطنه ومواطنية ويذكر في نفس الوقت الجحود والنكران الذي تعرض له السيد ادريس منذ اللحظة الأولى لانقلاب سبتمبرالبغيض الذيى سارع في هدم مشروع أول دولة ليبية حديثة في التاريخ وضع لبناتها الأولى الملك النزيه العادل السيد ادريس السنوسي، ورجال دولته الكرام وفي هذه الأيام الشائكة المحاطة بالألغام والإرغام،يجب أن يعرف كل الناس أن هناك قلة قليلة جداً من الأوفياء الكرام حركتهم ضمائرهم ووطنيتهم وحبهم لوطنهم الخالي من المصالح والنفط والغنائم.

ففي تلك المرحلة كان مجرد الحديث سرا أو علانية عن السيد ادريس ودولته داخل الوطن وخارجه يعتبر من الموبقات،وعمل من أعمال الشيطان الرجيم،وتُعاقب عليه قوانين الانقلاب،وكذلك دسائس،وتشويه ونميمة الكثير من قادة المعارضة،بالخارج الذين رفضوا هذا المشروع جملة وتفصيلا، قبل ان يكلفوا انفسهم الاطلاع على أدبيات،وفكرة هذا المشروع الشرعى،الذى طالب بعودة الشرعية,أن أولئك الرجال الذين جددوا البيعة والعهد، للملك ادريس لم تكن لهم طيلة العهد الملكي الزاهر،علاقة أو قرابة بتلك الدولة ومليكها، فقد كانوا مواطنون عاديون ليست لهم  علاقات وظيفية ولا مالية، ولا قبلية،ولا مصالح آنية،فقد جاهر اولئك الكرام الذين جددوا البيعة أمام الشعب الليبى والعالم،للملك (المخلوع) بقوة السلاح والدسائس الأجنبية والمحلية في منفاه بالقاهرة وأسسوا الإتحاد الدستوري برئاسة السيد محمد عَبْدُو بن غلبون عام 1981م من القرن الماضي.

عزيزي هشام:

بعد أن استطاع العقيد بخزائن ليبيا المنتفخة وبمساعدة (خنازير الجزيرة) كما كانت تنعتهم صحفه ووسائل اعلامه البذيئة،حل وحلحلة مشاكله مع أمريكا، ودول العالم وانصاع بالكامل لشروط الغرب في دفع التعويضات صاغراً مهانا وتسليمهم المواطنين (بوفحيمة، والمقرحى), وملفات المنظمات التي كان يمدها بالأموال والأسلحة من أجل فك الحصار الذي أطبق على أنفاسه من جميع الاتجاهات، نتيجة رعونته وعدم شعوره بالمسؤولية،خلال سنوات حكمه الطائش الأرعن،فقد بدأ يتقاطر نحو الخيمة المزركشة قادة العالم الغربى، حتى وصل بالأمر أن وقف صاحب بيوت الدعارة (القواد) الكبير برلسكونى وقَـبّلَ مُنْحَنِيا يد العقيد،بَلَعَ صاحبنا الطعم وتناسى (قائد الصمود والتصدي ) المسكين الأهبل أن برلسكونى  عبارة عن (قواد) برتبة رئيس وزراء، يدير بيوت بغاء وقمار، في وطنه والعالم وهو على استعداد أن يُقبل أيادي سكان العالم أجمع، و(……) من أجل أن يظفر،بإمتيازات نفطية وغيرها في بلادنا التي صارت (ملطشة) لكل القوادين الأنذال بسبب حكمه المشين،دعنا يا عزيزي من قادة العالم الإنتهازي وبرنسكونى،(القواد) الشهير ((حشاكم)) أيها الكرام، ولنحكى عن (طياح سعد وطننا، ومواطنيه)، فبعد أن أغلق الغرب (دفاتر العقيد) مؤقتا، شعر الكثير من قادة المعارضة الليبية بالخارج انهم قد (طَلَـعُوا من المولد، بلا حمص) وأن علاقات القذافى مع الغرب صارت (سمن على عسل) وانهم (كلوها يابسه)، فتذكروا بعد سنوات طوال من البغض والتجاهل والإستحقار لدستورهم ونشيدهم وعلمهم الملكي، وعرفوا فجأة أن المملكة الليبية، كانت دولة ( مُوْشْ بَطّالَه ) فأجتمعوا عام 2005م فى لندن، وأقروا رموز وشعارات المملكة الليبية من علم ونشيد ودستور، وصاروا يخاطبون أبناء وطنهم والعالم بشعارتهم الجديدة التى تأخرت عمدا وإصرارا مدة لا تقل عن  35عاما!!!؟؟، فماذا بعد ذلك.

عزيزى هشام:

قديما قالت العرب: الناس أعداء لِمَا جَهلــــوا… غابت الحكمة، والوطنية، وساد الجهل، والتآمر، والفوضى والخيانة، فوقعت الواقعة، وسقط الوطن، بكامله، فى الدم، والهمّ، والمجهول وتصدعت جدرانه، وها نحن نعانى جميعا من نزق وطمع وقتل ودمار وتخريب، فيا صاحبي لو كانت النوايا، والسرائر صادقة تجاه الوطن ومستقبل اهله ما حدث هذا الجنون كان بإستطاعة (قادة) الصدف، وَ(العَازَه )والزمن الرديء، ان يقبلوا بعودة الدولة السابقة بدستورها وعلمها ونشيدها وحين يستتب الأمر وتهدأ النفوس الثائرة والمضطربة يدعوا لاستفتاء شعبي نزيه تشرف عليه الامم المتحدة، وبرجال القضاء والقانون من داخل الوطن وخارجه، وبعد نتيجة الاستفتاء ينصاع الجميع لاختيارات الأمة الليبية، وإعلان اسم دولتها وشكل نظامها الذى يتفق عليه الجميع، بقوة الاشراف الدولى، والأمم المتحدة، هكذا قالت بيانات وأدبيات (الإتحاد الدستورى) التى لَوْ إلْتفت إليها (القادة الجدد) نكون بذلك قد وَفّرْنا وتجنبنا، بذكاء، وحكمة ووطنية، 6 سنوات عجاف مليئة بالرعب والدم، والضغائن، والدسائس، لكن سيادة المستشار مصطفى عبدالجليل ورهطه، كان يرى غير ذلك، فركب المجهول، وأنصاع (لوشوشة) وهمسات وتهديدات مستشاريه، الذين كانوا يتلقون تعليماتهم من خارج ساحة المحكمة، ومن خارج الاراضى الليبية (فَزَرّطُوْنا، وَزَرّطُوْا) الوطن، فى المهالك، فبالله عليك يا هشام اليس معيبا، ومُقْرفا، ومُوجعا، للغاية أن تتدخل قطر، والإمارات والسعودية، وسلطنة عُمان، فى كتابة دستورنا “الجديد”، وتأجيج الصراع فيما بيننا، مع علم (قادة النّمْ) المسبق أنّ هذه الدول منذ الامس، واليوم وغدا لا تعرف، ولا تعترف بحكم الدساتير، فحكوماتها عشائرية عائلية يقودها و يديرها (طويل العمر) وأبنائه وأحفاده، وليست لهم علاقة بتداول السلطة، عبر وسائلها الديمقراطيات الحديثة، التى بها عَمّرَت أوطانها، وحافظت على حقوق إنْسانها، وسيادة أراضيها.

عزيزى هشام:

سلاما على روح السيد محمد ادريس مؤسس دولة ليبيا الحديثة،وسلاما على اؤلئك الرجال العظام الذين عملوا تحت قياده الرشيدة، أؤلئك الرجال الكرام،الذين لم ينالوا قسطا كبيرا من التعليم،ولم ينالوا شهادات التعليم العالى والدكتوراة، تلك الشهادات التى تزدحم بها اليوم، الوزارات والمؤسسات،والدوائر الحكومية،و(تشاركيات النظافة)، وإدارات الصرف الصحى،والمجارى والسفارات التابعة، لبلادنا مهيضة الجناح،وسلاما على الإتحاد الدستوري ومؤسسيه الكرام،الذين قدموا اجتهادهم بإمكانيات مادية ذاتية متواضعة، وبوطنية عالية،ورجولة، بعيدا عن مساعدات الدول،واستخباراتها،وسلاما على كل معارض نزيه شريف لم يتاجر ويسمسر،فى أسواق بيع الأوطان،وسلاما على بنات وأبناء الصابرين الصامدين الكرام البررة، في بلادنا الجليلة الغالية.

عزيزى هشام:

الساعة الآن، الثالثة والنصف من صباح يوم السبت الموافق 13 رمضان المبارك، فكل عام،وأنتم بخير،وكل عام وضيفكم العزيز عبدالرحمن بخير،وكل عام وبلادنا الجريحة عاثرة الحظ وأهلها المتعبون الكرام بخير وعافية، ومعذرة لإرهاقك بهذه الرسالة الطويلة، فإنْ كان فى العمر بقية، فللحديث بقية.


فتح الله عمران ابزيو

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.