الولايات المتحدة تتدخل في ليبيا لفرملة فرنسا وإيطاليا

[post-views]
10

بوابة ليبيا الاخباري

خطوة وقف تصدير النفط الليبي فتحت جرح تمويل الميليشيات ونكأت ملف البنك المركزي وتوزيعه غير العادل للموارد، والتي يذهب معظمها إلى طرابلس والغرب، بينما يظل الشرق والجنوب محرومين منها.

محمد أبوالفضل -القاهرة:

دفعت التطورات في الملف الليبي والتنافس الواضح بين فرنسا وإيطاليا الولايات المتحدة إلى وضع حدّ لترددها في تمديد أذرعها السياسية في الأزمة الليبية وعدم الاكتفاء بأدوارها الاستخباراتية ومطاردة العناصر الإسلامية المتشددة,وتعي واشنطن أن الصدام مباشرة مع باريس وروما لن يكون حلا مفيدا، لذلك لجأت إلى استعادة لياقتها بزيادة ملامح الانفتاح على كل من فرنسا وإيطاليا وفرض نفوذها عبر التفاوض والتفاهم وتعيين سفيرة أميركية كنائب للمبعوث الأممي.

ظهرت معالم مقاربة أميركية جديدة بشأن الأزمة في ليبيا بعد أن تبين للولايات المتحدة أن الخارطة في ليبيا تسير عكس مصالحها، وستمثل لها مأزقا في المستقبل يكلفها أثمانا استراتيجية باهظة, وأكّدت مصادر مصرية على صلة بالملف الليبي لـ“العرب” أن الفترة المقبلة ستشهد تحركات أميركية كثيفة، لفرملة جموح كل من فرنسا وإيطاليا، الذي أخذ شكل منافسة ضارية ووصل ذروته مع قول إليزابيتا ترينتا، وزيرة دفاع إيطاليا، مؤخرا “على فرنسا أن تعرف أن ليبيا من أملاكنا”، وفي الرواية الإيطالية “من أولوياتنا وليست أملاكنا”.

لم يتوقع الكثير من المراقبين أن تصبح واشنطن بعيدة عمّا يجري في ليبيا،وما حدث يمكن فهمه في سياق إعادة تموضع وترتيب لأولويات القضايا في المنطقة, وفي كل الأحوال لم يغب هذا البلد عن العقل الأميركي،لأن من يريد السيطرة على بعض مفاتيح أوروبا يصعب عليه تجاهل الموقع الاستراتيجي لدولة مهمة في خاصرتها الجنوبية.

كانت الإدارة الأميركية تنتظر أن تستنزف باريس وروما قدرا من طاقتهما السياسية، لتضاعف من وتيرة التدخل بعد أن تتضح الخارطة أمامها أكثر.

وبالفعل خسر كل طرف جانبا من حلفائه جراء الانهماك الشديد في الأزمة والإصرار على فرض النفوذ واستمالة أطراف محلية وإقليمية إلى صفه.

وظلت واشنطن تراقب المشهد عن كثب دون تدخلات كبيرة،وعندما طرحت فرنسا مبادرتها الأخيرة وجمعت قادة القوى الليبية الرئيسية،وهم: خليفة حفتر قائد الجيش الليبي، وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق،وعقيلة صالح رئيس البرلمان، وخالد المشري رئيس مجلس الدولة، في باريس في الـ29 من مايو الماضي، كان التمثيل الأميركي محدودا،في إشارة إلى عدم الارتياح للمقاربة الفرنسية الجديدة التي ألمحت الولايات المتحدة في حينه إلى أنها تسحب من رصيد الأمم المتحدة، لكن من الصعوبة تجاهلها أو رفض التجاوب معها، بل يمكن توظيفها والابتعاد بها عن أهداف باريس لتخدم مصالح واشنطن.

زخم فرنسي وتربص إيطالي

دفع النشاط الفرنسي روما إلى إعادة ترتيب تحالفاتها بما يضبط الخلل الذي نجم عن دعم باريس للمشير خليفة حفتر وأدى إلى تمكينه من السيطرة على درنة وطرد الإرهابيين منها،ما فرض على إيطاليا اللجوء إلى محاولة القبض على ورقة الهلال النفطي وتمكين ميليشيات إبراهيم الجضران من السيطرة على مينائي السدرة ورأس لانوف،لكنها أخفقت وفرض حفتر نفوذه وطرد الجضران وأعوانه ناحية الجنوب.

جاء نقل تبعية الهلال النفطي من المؤسسة الليبية للنفط التابعة لحكومة الوفاق بقيادة السراج، إلى مؤسسة موازية في بنغازي تابعة للبرلمان الليبي في طبرق، ليقلب الكثير من الموازين، لأن الخطوة كان الهدف منها منع تمويل الميليشيات من حسابات النفط الليبي، والتي كانت تُدار بعلم مصطفى الكبير رئيس المصرف المركزي الليبي، الذي صدر قرار بعزله من قبل البرلمان ولم يصادق عليه السراج.

وفتحت خطوة وقف تصدير النفط الليبي جرح تمويل الميليشيات ونكأت ملف المصرف المركزي وتوزيعه غير العادل للموارد، والتي يذهب معظمها إلى طرابلس والغرب بينما يظل الشرق والجنوب محرومين منها.

قام حفتر بإثارة هذه الملفات لوضع المجتمع الدولي أمام التزاماته، فكيف تريد دوله تسوية سياسية قابلة للحياة في ليبيا، وهناك من يتواطؤون مع جماعة الإخوان والإرهابيين وهم لا يريدون الاستقرار,غير أن الخطوة فتحت الباب للحديث عن وضع الثروة النفطية تحت الحماية الدولية.

تجنب البيان الصادر عن فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة وبريطانيا، في الـ27 من يونيو الماضي، إدانة خطوة الجيش الليبي مباشرة، وشدّد على أهمية تبعية الهلال النفطي لمؤسسة النفط الليبية، وهو ما كان مؤشّرا على الوقوف في صف حكومة السراج من دون التقليل من شأن حفتر، الذي فهم الرسالة وسلم بالأمر الواقع، لكن مطالبه بشأن وقف دعم الميليشيات والتوزيع العادل للثروة كانت محل اعتبار سياسي وكشفت عن خطورة التهاون مع هذه القضايا.

ظهرت معالم انخراط واشنطن، التي أنفقت 635 مليون دولار على ليبيا منذ عام 2011، مع دخولها على الخط السياسي للأزمة من منبر الأمم المتحدة، أي من خلال تعيين السفيرة ستيفان ويليامز نائب أميركية للمبعوث الأممي في ليبيا غسان سلامة، بعد عشرة أشهر من عملها في سفارة بلادها بطرابلس، وفهمها لجزء مهم من طبيعة التركيبة الداخلية المعقدة.

رأت الولايات المتحدة أن المبعوث الأممي (فرنسي الجنسية لبناني الأصل) ينفذ أجندة أقرب لما تريده باريس،والتي انطوت عليها مبادرتها الأخيرة وركزت على نقطة إجراء الانتخابات في الـ10 من ديسمبر المقبل، بصرف النظر عن مدى صلاحية البيئة لإجرائها والضمانات التي تستوجب تطبيق نتائجها بأقل قدر من المشاحنات.

وسط تجاذبات فرنسا التي تريد تسريع الانتخابات بأي ثمن وإيطاليا التي ترغب في تعطيلها بأي ثمن أيضا، بدأت تتراكم المشكلات، بما يفضي إلى المزيد من تفتيت الأزمة وخروجها عن السيطرة.

وتتصرف واشنطن الآن بما يحدّ من مغامرات إيطاليا التي تريد تشييد قاعدة عسكرية في غات بجنوب ليبيا،وكبح تطلعات فرنسا التي ترعى مبادرة سياسية تمكنها بمفردها من القبض على زمام الحل،واسترداد نفوذها التاريخي في إقليم فزان.

جاء لقاء روما بين الدول المعنية بالأزمة الليبية مؤخرا كمؤشر على رغبة واشنطن في تجنب الدخول في مواجهة مفتوحة وإيجاد سبل للحل،ثم صدر بيان من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة،الخميس الماضي 12يوليو،وفيه ترحيب بإعلان استئناف المؤسسة الوطنية للنفط لعملها لصالح جميع الليبيين،والتشديد على ضرورة التوزيع العادل لموارد البلاد والمطالبة بتطبيق شفافية أكبر للمؤسسات الاقتصادية التي أعلن عنها السراج،ناهيك عن توحيد المصرف المركزي وحل المؤسسات الموازية.

فك وتركيب المعادلة

ينطوي الحرص على سرعة استئناف تصدير النفط الليبي (نحو 850 ألف برميل يوميا) على ما هو أبعد من توفير مصادر الدعم المادي للحكومة، لأنه لا يخلو من وجه يتعلق بالصدام الحاصل بين الولايات المتحدة وإيران، التي دخلت منعطفا خطيرا،عقب تمسك الرئيس الأميركي دونالد ترامب بزيادة الحصار على طهران والحاجة إلى إنتاج النفط الليبي لتعويض جزء مما سيفقده السوق العالمي حال تعثر النفط القادم من إيران.

تستلزم هذه المعطيات تهدئة في ليبيا مع إعادة فك وتركيب المعادلة بما يتناسب مع التغيّرات الراهنة في الموازين الدولية،التي تنتظر تطورات ساخنة خلال الفترة المقبلة، بعد لقاء ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي منتصف الشهر الجاري،ويمكن أن تتحدد بموجبه مصير بعض الأزمات الإقليمية.

من يمعن في نوعية المطالب التي حواها البيان الرباعي يجدها تقترب من مطالب سابقة للمشير خليفة حفتر،بالتالي سيكون رابحا حال دخول ليبيا لعبة المساومات بين واشنطن وموسكو،فكل عاصمة تريد جذبه إليها وتسعى إلى كسبه لصفها، بعدما أصبح رقما مفصليا في الأزمة الليبية.

بدا ذلك واضحا في تأكيد البيان الرباعي عن التقدير اللافت لمساهمات الجيش الوطني الليبي في استعادة الاستقرار في قطاع النفط وهو ما يخرج عن حدود توازنات الداخل الليبي ويصل إلى حافة المعادلة الدولية التي تتصارع فيها الولايات المتحدة مع كل من إيران وروسيا.

تستشعر الولايات المتحدة الخطر الآن،عندما وجدت أن لعبة النفوذ التي تمارسها فرنسا وإيطاليا تثير حنق الكثيرين، لأنها تشبه كمن يتصارع على أملاكه، وهو ما أثار حفيظة الليبيين الوطنيين ودول عربية تسعى لفهم الواقع والتعامل مع معطياته للوصول إلى صيغة عملية للحل،بعيدة عن استعجال فرنسا لقطف الثمار ولا تتوافق مع رغبة إيطاليا في تكريس أمر واقع يتناسب مع مصالحها التاريخية مكّنت هذه اللعبة روسيا،التي لم ترفع عينها عن ليبيا،من زيادة توثيق علاقاتها مع المشير حفتر،حتى باتت واشنطن متخوفة من اتفاق موسكو معه على التفاهم لتقديم تسهيلات عسكرية في قاعدة الخادم بجنوب المرج.

وقالت تقارير أميركية إن موسكو نشرت عناصر تابعة لمجموعة آر.أس.بي منذ 2017 وهي شركة حراسات خاصة وتقدم استشارات أمنية وأنشئت من قبل ضابط روسي سابق وعناصر من مجموعة فاغنر تعمل في صيانة وتشغيل السلاح الروسي لصالح حفتر ومساعدته على إنشاء شبكة استخبارات.

ينذر دخول الأزمة الليبية إلى هذا المنعطف بضرورة التهدئة وتسريع التسوية السياسية وتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات، قبل أن تنفلت الأوضاع بما يضاعف من صعوبة السيطرة عليها، لذلك تعمل الولايات المتحدة عبر أذرعها المختلفة لضبط التوازنات من الداخل والخارج، كي لا تضيع منها ليبيا ويتم توزيع غنائمها على منافسيها في المنطقة.

 


#متابعات_بوابة_ليبيا
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.