الرسالة الأولى…إلى الصديق “هشام بن غلبون”

[post-views]
43

بوابة ليبيا الإخباري 

عزيزى هشام  بن غلبون … تحية طيبة وبعد:

أتحزن يا صديقي حين اُنبئك بـِأن “الكوازي ما فيهم ما توازي؟”… مُنذ عِدة أشهر حاولت جاهداً مراسلتك،غير أن إحباط وعجز أعجزاني وغَلّاني فمنعاني وَحَرَمَاني من جمع حزمة كلمات قد تكون جريئة شجاعة صادقة تبوح عمّا يدور في خلدي ولعلي أظفر هذه الليلة بإصطياد بعض الكلمات المباركة رغم ضجيج السيارات (وتمتيع!) إطاراتها وأصوات التفجيرات وفواجعها وألعاب (خط ولوح) التي لا تقل  إزعاجا ورعباً عن الجالطين وبقية المتفجرات الحاقدة العمياء الأخرى التي مزقت الكثيرمن أجساد أبناء وطنك وحولتها إلى أشلاء مُتناثرة تُجمع بقاياها في أكياس (بلاستيك) سوداء اُعدت للقمامة! فهل تحب يا صاحبي أن أحكي لك بعض الحكايات الأخرى الموغلة في الأحزان والوجع وأنين وآهـات هذه المدينة الصابرة المصابره يا صديقي الطيب؟.

عزيزي هشام:

فظيع كُل ما يجري وأفظع منه أن تدري…أوجاع وطنك ومواطنيه كبيرة كثيرة مؤلمة تزاوجت مع أحزاننا ومصائبنا، فتفاقمت بلـيّـاتنا وتراكمت وصرنا نغرق بالتدريج فى ظلمات وموت سريع بالمجان مع حسرات وخيبات أمل بعد أن تم بجسارة إقتلاع الألم والعهر البواح وإستئصاله من جذوره الشائكة الخبيثة المرعبة فى ملحمة 15 فبراير المجيدة.

يا صديقى هشام:

(كان بِودِي أن “أضحك” ولكني بَـكيْت)…سَفينة الثورة المجيدة تتقاذفتها أمواج هـَوْجَاء كافرة زانية باغية ملعونة ولم ترْس على بـَر السلامة والأمان بعد, فقد إعتلاها خونة وإنتهازيون ولصوص وقتلة وبصاصة أجهزة أمنية سابقة ومنافقون وسُراق المال العام وباعة الهتافات وأصحاب الحناجر والخناجر المسمومة والكثير من (حَجّـالة، وتُيوس) الأمس البغيض فمرة أخرى ياهشام الخير (فظيع كل ما يجري… وأفظع منه أن تدري).

شاع الإحباط وسيطرت مشاعر القلق والخوف المرعب من القادم المجهول نتيجة خيانة ولعب وسخافة وإستهتارمعظم ساسة الوطن الجدد الذين أثبتواللجميع أنهم إنتهازيون،ورهط (مَعْيَلة طاحوا في واغمة)،فسئم الناس من كذبهم وهرائهم وممارساتهم الخاطئة السيئة،فصاروا مادة للتهكم والنكات اللاذعة الساخرة والغاضبة وأصبح الناس يتحدثون عن هذه المسخرة التى تديرامورالبلاد، والعباد فيقولون عنهم علنا تهكُماً وسخرية، كُنـَّا في العهد السابق (اللي يحكي إيموت.. أمّا اليوم تحْكِي نَيْن إتْمُوْت).

عزيزي هشام:

دعنا قليلاً من حكومتنا المؤقتة حكومة (شجرة النـّمْ اللي لا يـُوْتكل ولا يـَنْشَمْ) ومناقرة ديوك ودسائس مؤتمرنا الشنيع الرقِـيْع! ولنحكي لك عن عذابات وآلام وطنك ومدينتك الحزينة الصابرة بنغازى أعلم يا صديقي أنك تريد أن تعرف الكثير من الحكايات عن مدينتك، فخذ بعضها ولا تحزن.

بعد غياب طويل هطل الغيث على الصابرة المستباحة ساعات معدودات، فأمتزجت دموع السماء بدموع  بنات المدينة وأبنائها وعقب المطر أمِل الناس أن يغسل هذا الغيث كل الأدران ويطهر القلوب ويطفىء سكاكين لهيب الحقد والتشكيك الذى عشش فى الرؤوس واستقر فى النفوس !!.

رخات مطر قليلة، كادت تغرق المدينة وقاطنيها وتجعل منها منطقة كوارث منكوبة بإمتياز فقد تدفقت المياه بغزارة واختلطت بمجاري الصرف الصحي حاملة معها (كنايس) وأوساخ المدينة فغاص الناس في الوحول والقاذورات وطفحت المجاري العفنة وخرجت (القناطش) المتوحشة الشرسة العدوانية من جحورها ومخابئها مضيفة رعبا اخر لسكان المدينة، فهل سمعت يا ابن الناس عن (قناطش) تخافها القطط والناس أجمعين؟ أجل  يا صديقي هشام.. حدث ذلك ويحدث في الجماهيرية الأولى والثانية!! عقب رخات مطر قليلة، فيا صديقى (كان بـِوِدِي ان أبْكِي ولكني ضحكت).

عزيزي هشام: 

اُخبرك مرة أخرى بأنه فظيع جهل ما يجري… وأفضع منه أن تدري… غرقت المركبات وتقاذفتها المياه الممزوجة بالطين والأتربة والأوساخ وصارت السيارات تتفادى الحفر العميقة متخذة من الأرصفة البائدة المتهالكة طرقات ومعابر آمنة لها وزاحمت المركبات المشاة فوق الأرصفة الضيقة المتشققة وأصطدمت بهم وهشّمت عظام بعضهم،وما أن توقفت الأمطار حتى بدأت مسيرة معانات الناس وعذاباتهم التى يبدو أنها لن تنتهي أبداً، حتى أنّ إبني الصغير رُشْد تساءل ببراءة الأطفال قائلا: لماذا الناس فى بلادنا يستغيثون بـِمُجْرِى السحاب وَمُنْزِل الغيث عزّ وجل وَيُقيمون صلاة الإستسقاء،وهم غير قادرين على الإستفادة من مياه الأمطار وعاجزين وليست لديهم الحيلة والقدرة على تصريف المياه وإزالة قاذوراتهم!؟. 

مطبات على طول الطريق… ما أكثر مطباتنا وحفرنا العميقة فما بين المطب والمطب هنالك مطب خرساني صلب قاتل ملعون  فالمشاريع توقفت في بلادنا وازدهرت مشاريع وإنشاءات المطبات التي تقوم على (ساق بـدون قدم) في جميع طرقات وزوايا بلادنا المنهوبة المستباحة من قبل (سكانها) فالناس في بلادنا يعاملون وطنهم معاملة قاسية همجية،وكأنهم يسكنون شقة مؤجرة مفروشة يُمارسون فيها العربدة والذبح والبغاء وسرقة  الكهرباء، فهل يليق يا صاحبي هشام بشعب فك قـيْده ووطنه من مخالب وأنياب الفاشية الخارجية والطغاة المحليين أن يفعل كل ذلك،وغيرها من الكبائروالموبقات بوطنه؟ ولعلك تعلم يا صديقى أنه لم يُنجزمنذ إنتصار الثورة أي شىء في بلادنا بهمة وعزيمة ومهارة سوى المطبات ونهب الأموال العامة وذبح خلق الله وقطع رؤوسهم وإلقائها في المزارع والمقابر؟، وكذلك سرقة الكهرباء والإعتداءات على الأراضي العامة والخاصة وكذلك حرق الغابات وأشجار الزيتون فى الساحل والجبل الأخضر التي زرعها الرومان منذ آلاف السنين ليسهل تقسيمها ثم بيعها وَدَعْكَ من عدم إحترام إشارات المرور، وقيادة الأطفال لجميع أنواع المركبات وأشياء مخجلة قبيحة اخرى.

عزيزى هشام:

تعطلت لغة الكلام وتحاورنا بلغة الدم والحقد والدسائس والتخوين والتخويف والضغينة فلم يعد أمن ولا سلام وشاعت ثقافة القنص والألغام وقطف الرؤوس والخطف فازداد عدد الأرامل والايتام (بـِسبْـلة) الديمقراطية والعلمانية وإقامة شرع الله ومحاربة الأزلام! فماذا يَـعنى ذلك يا صديقي العزيز؟.

إلاَمَ أنا وطنٌ في العزله؟!
يا غرباءَ الناسِ!
أغُضُّ لأنّ الدمْعَ يُجَرِّحُ أجفاني
أبكيكِ بلاد َ الذّبْحِ
كحانوتٍ تُعْرَضُ فيه ثيابُ الموتى  

ليبيا حرة… من خلال هذه المقولة النبيلة نخرتْنا وطحنتنا الكوارث والفواجع والإنتهاكات الفجة المؤلمة لِآدمية الإنسان الليبى، فأصبح وأمسى الوطن يُطعن بحراب الجريمة والخسة والبُغْض والجشع والتسيب وقلة الذوق والأدب والمهانة وبما أن ليبيا حرة فطفحت على السطح تجاوزات مفرطة في القبح والهمجية البربرية والنذالة التي لا تليق بالضميرالإنسانى،فهل يخطر ببالك يا سيدي أنّ تجارة الرّق عادت تطرق أبوابنا من جديد بعد أن تم منذ سالف الدهر القضاء عليها بفضل تعاليم ديننا العظيم؟، فالإنسان يُباع فى مدينة (رباية الذايح) خلف الفندق البلدي (على عينك ياتاجر) حيث يُقيد المواطن البنغلاديشى الذي يطلق عليه في بلادنا لقب (بَنـْقله) فيعرض (البَنْقـله) كأي سلعة فى سُوق النخاسة بمزاد علني أمام الجميع  بقيمة ثلاثمائة دينار ليبى، فقد (باعوه بثمن بخس دراهم معدودة) حدث ذلك ويحدث فى بلادنا الآن، خلف ضريح سيدي عمر المختار عليه رضوان الله وبما أن ليبيا حرة! فقدنا أبْعَادنا وصار معنى الحرية يـُفسره كل مِنهم! بما يتناسب مع مطالبه وأطماعه وشطحاته.

ليبيا حرة… وبما أنها حرة فرغبتي الجامحة يا هشام الخير أن تُصَاحبني سيراً على الأقدام في بعض دروب مدينتنا الجريحة، فصاحبني لو تكرمت إلى الفندق البلدي وأملي أن تحافظ على رباطة جأشك حيث أخشى عليك أن لا تستطيع صبراً لما ستشاهده هناك من (خوارق خارقة للعادة)، فقد تحول هذا الفندق بالفعل إلى (فندق) بما تعنية الكلمة بالمعنى الشعبي، ففي هذا الفندق الخارج عن القانون، والمألوف تستطيع تشتري وتبيع كل الممنوعات والمُنوعات وما لا يخطر ببال شياطين الإنس والجن من محرمات قانونية وشرعية، ففي هذا (السوبر ماركيت المفتوح) تعرض أطنان وجبال من حبوب الموت والهلاك بجميع أنواعها ومسمياتها في واضحة النهار وأكثرهذه السموم شيوعا في بلادنا حبة يطلق عليها إسم “لا رجوع” وهي من أخطر المواد المخدرة فمتعاطيها ينسى اُمه وأبيه، وعنوان بيته وأخيه فماذا بعد ذلك؟.

تحول الفندق البلدي إلى وكر لهذه التجارة السوداء التي أصبحت علنية إضافة إلى تجارة الخمور فهناك يُسوّق (المكرشم) والمغشوش و(اللآقـْبـِي) بجميع الأسعار وفي متناول الجميع (عيني عينك) وأمام أعين الحكومة العمياء والمؤتمر الأحول الأزْوَرالمُزور ودار الإفتاء التي تفتي في كل الأشياء إلا هذه، وسأنتقل بك من حيث تُباع حبوب تعطيل العقل، والمشروبات (الروحيّة) من (القرابة) والويسكى والبوخة والبوزا ولن نذهب بك بعيدا عن هذا السوق العجيب الغريب، ففى هذه المنطقة الموبوءة تستطيع شراء أي نوع من الأسلحة بإستثناء البوارج الحربية والطائرات والسلاح النووى وما عدا ذلك فكل انواع الأسلحة الفتاكة الأخرى موجودة بوفرة وتستطيع أن تشتري كل ما يحتاجه  جيش  جرار في ظلام الليل وواضحة النهار.

زُوْرُوْا مدينتنا كي نغتصبكم… بنغازي مدينة ذاع صيتها أثناء الثورة المباركة وصارت أخبارها البطولية تتصدر نشرات العالم بكل اللغات وأصبحت آلامها وآمالهاعلى كل لسان وتعاطف معها ومع ثورتها المجيدة كل محبي الحق أينما كانوا،حتى أن  احدى سيدات  استراليا حين فاجأها المخاض وأنجبت طفلتها اطلقت إسم بنغازي على مولودتها الصغيرة إجلالا للثورة العظيمة ولهذه المدينة الرائعة، فماذا حدث بعد ذلك، لـَنـَا ولوطننا ومدينتنا يا صديقي هشام؟.

بعد الوهج الثوري والإنتصارات الباهرة على جميع الجبهات جفت زيوت قناديلنا فخبئت شموعنا وصرنا نمشي ونتعثر في الظلمات فانتهكت حُرماتنا وحرمة مدينتنا واغتصبت بين جُدْرَانِنا فتاتين بريطانيتن مسلمتين من أصل باكستاني أمام والدهن ووالدتهن حين كانت هذه الأسرة البريطانية المسلمة العاثرة الحظ تـَعْبرأراضى بلادنا فى طريقها الى غزه لتوصيل بعض المساعدات الإنسانية والتعبير لها عن مناصرتها فأراد المغتصبون القساة بفعلتهم أن يطفئوا نور بلادنا بشذوذهم وساديتهم وأسلحتهم الحاقدة العمياء النجسة، فمرة أخرى نقول لمن أحبونا وناصرونا وقت العُسرة زُوْرُوْا مدينتنا وبلادنا كي نَهْتِك أعْراضكم وَنَسْبِي نساءكم على مرآى ومسمع أبائكم وأمهاتكم وعيون دار الإفتاء وحضرة مُفتيها الجليل والعالم أجمع، فماذا أصابنا يا صديقي هشام؟.

وطني هلْ أنتَ بلاد الأعداء؟!
وطني هل أنتَ بقية ((داعش)) والغبراء)!؟
وطني انْقِذني
رائحة الجوع البشري مخيفة
وطّني! أنقذنِي
من مدن سرَقت فرحي
انقذني من مُدن يُصْبحُ فيها الناس
مداخِن للخوف وللزبل، مخيفة
مِنْ  مُدُنٍ ترْقُد في الماء الآسِنِ، 
كالجاموسِ الوطني
وتجْتـَرُّ الجيفة

عزيزي هشام: 

مطبات على طول الطريق… بُعَيْد ثورة الشعب المجيدة ظن الناس أن زمن الأفلام الهندية والمكسيكية المملة قد وَلـّـت وأن أفلام العقيد للترشيد قد انتهت وللأبد،لكن الناس صُدِمُوا واصطدموا بمطبات مؤتمر التجديد،فمؤتمرنا الذي يتمدد بالدولار وينكمش بالدينار،لم يعد الشعب يعيره أيّ ثقة وإحترام بعد أن تمادى فى غيّه وتماهيّه وتفوقه بجدارة على “مؤتمرالشعب العام” الذي انتهت صلاحيته ولم تنتهي مصالحه “وأفارياته ورزالاته”، فمؤتمرنا (كسر خواطر) الناس أجمعين وصار الناس ينظرون اليه كنسخة طبق الأصل، من مؤتمر الشعب العام سىء الصيت،ولعلك تابعت ما يدور بداخله فقاعة المؤتمر في معضم جلساته تكاد تكون شبه فارغة من نوابنا ((البلاعيط)) فكراسي قاعة المؤتمر خالية والصالة خاوية على عروشها من ممثلي الشعب وحينما يبدأ النقاش تشعر بأن ممثلينا يتحدثون بلغة وطلاسم لا يفهمها شعب نال من الظيم ما تئن منه الجبال خلال اأربعة عقود ويزيد،فالمؤتمرالمتآمر الذي حل محل مؤتمر الشعب العام تخلى عن مصالح الشعب الليبي،فجعل مصلحته الخاصة والحزبية والجهوية فوق مصالح الوطن الغارق في البؤس والحرمان والضياع، فقد ركب نواب الشعب رؤوسهم الصلدة بعد رَكوبهم، لظهورنا والسيارات الفارهة وهم يحاولون بما يملكون من دسائس ونقائص أن يرَكَبُونا فقد طاب  لهم المقام فنَسوا الله فأنساهم أنفسهم ونسوا وطنهم فنسيهم الوطن والمواطن.

عزيزي هشام:

رسالتي هذه كتبتها لك في شهر ديسمبر من العام الفائت،ولم أبعثها لك إلا هذه الليلة 19 مارس2015/، فأعذرني فقد تلاحقت  الأحداث المجنونة و(الكواين) علينا فمعذرة مرة أخرى يا صديقي العزيز هشام بن غلبون.

إن كان في العمر بقية فللحديث بقية عن الكوازي اللي ما فيهم ما توازي.


فتح الله عمران ابزيو

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.