د.مراجع نوح: عضو الهيأة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور  يرد على غسان سلامة  

[post-views]
87

بوابة ليبيا الاخباري

 سيادة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الدكتور: غسان سلامة

اطلعت على خطابكم الموقر بشأن الإحاطة التي قدمتموها لمجلس الأمن يوم الاثنين الموافق 13/5/2018،بخصوص الوضع الراهن في ليبيا وقد وضحتم فيه حجم التحديات التي تواجها ليبيا سواء من الناحية السياسية،أو الانسانية أو الاقتصادية وعجز الأطراف المتصارعة على الوصول إلى حل ووصفكم للوضع الاجتماعي،والمتمثل في تهجير ساكنة بعض المدن الليبية قسراً كـ تاورغاء كما تطرقتم إلى السلب الممنهج  لثروة المجتمع الليبي،والتي تمخض عنها انعدام العدالة الاجتماعية،وإحداث فوارق كبيرة بين أبناء الشعب الليبي،وهو لسان حال الليبيين كما بينتم اهمية جمع الليبيين حول مؤتمر جامع،وضرورة الاسراع في إنجاز انتخابات جديدة تضمن عدم تكرار تكريس التشظي الحكومي،أو التشريعي كما هو حاصل الأن ،والذي يعد مصدر استهجان،وعدم رضى من كل الليبيين.

عليه نود إحاطتكم ببعض الملاحظات ومنها.

سيادتكم:

لاشك أن كل صور النزاع،والتي أوردتموها هي مصدر إزعاج،ومعول غبن لكل الليبيين،إلا أن الحلول المطروحة والمتعلقة بشقها الرئيس والمتمثلة في إقامة انتخابات،ومؤتمر وطني تضع حلاً لكل هذه الاشكاليات،هو قول جانبه الصواب – رغم تقديرنا لنواياكم الطيبة – وذلك لعدة أسباب:

  • التصور المحتمل لمجلس النواب:
  • إعادة انتاج مجلس نواب بنفس درجة كفاءة المجلس الحالي،أو أقل من ذلك لارتكازه على مبدأ الغنيمة،وذلك لقناعة المتقدمين بأنهم أصحاب قرار تشريعي ورقابي،وغياب البعد الحزبي البرامجي.
  • قانون الانتخاب المنظم لمجلس النواب القادم سوف يكون نفس القانون المنظم لمجلس النواب الحالي ربما سيطرأ عليه خلاف فقط في ترسيم الدوائر من ناحية زيادة أعضاء،أو نقصهم .
  • الفساد المستشري في مفاصل المؤسسات المالية،والتنفيذية،والذي سيقف عاجزاً أمام محاولات أصحاب النفوذ من النواب،أو الوزراء ،أومن يتبعونهم  لنيل نصيبهم بطريقة الابتزاز،أو احتكاما إلى مبدأ (اخدمني ونخدمك).  
  • طبيعة شكل النظام السياسي،وهو النظام البرلماني الذي يتبناه الإعلان الدستوري ستزيد الأمر سوءاً من خلال تصارع الأطراف على الغنيمة،والمتمثلة في المناصب الوزارية،والهيئات دون النظر الى مصلحة الشعب الليبي،التي تتجسد في محاربة الفساد،ومن ثم تُعد تكراراً لما حدث في اختيار الوزراء،ورؤساء الهيئات،بمعنى اخر إعادة تدوير الفساد.
  • الشكل البرلماني لا يتلاءم مع دولة كليبيا فيها تجمعات قبلية تمتد أفقيا على مساحة الوطن وتجذر مبدأ الغنيمة لديها في كل الأنظمة السياسية السابقة رغم الفرق في طبيعة النظام السياسي سواء أكان شمولياً أم  لا، ومع وجود هذ المحدد هناك مسايرة لهذا المبدأ.
  • الحكومة التي تأتي نتاج هذا الشكل ستكون هشة،وغير قادرة على تحمل مسؤولياتها؛نتيجة التهديد بإسقاطها اذا تعارضت أعمالها مع مؤسسيها في مجلس النواب.

  مثال:  النظام البرلماني الإيطالي،والحكومات المنبثقة عنه والتي أصبحت لمدة عقود غير مستقرة وتتغير بواقع كل سنتين وما واجهته ألمانيا  من عرقلة لتشكيل حكومة أخذت منها وقتاً .. رغم استقرا هاتين الدولتين،وانعدام العامل القبلي وتكرس مبدأ التعددية السياسية،والمتمثلة في أحزاب ناضجة سياسياً ولديها قدرة على الائتلاف.

  • كل هذه النتائج ستكون حاضرة بقوة في مجلس النواب القادم في حال تبني خيار القدوم إلى انتخابات دون وجود قاعدة دستورية منظمة. 
  • التصور المحتمل للانتخابات الرئاسية:
  • قانون انتخاب الرئيس سيكون محل صراع بين أعضاء مجلس النواب،وسيكون السؤال المطروح وبقوة كيف يتم انتخاب الرئيس ؟ هل يتم عن طريق الأغلبية السكانية التي تتركز في مدن معينة،أو عن طريق الأغلبية الاقليمية في كل اقليم،أو عن طريق مجلس رئاسي إقليمي منتخب ؟ أو سيتدخل المجتمع الدولي لفرض إرادته،ومن ثم سيكون مخالفاً للأعراف الدولية،وحتى للمباديء المستحدثة،وهما مبدئي التدخل من أجل الانسانية ،أو التدخل من أجل الديمقراطية.

وفي كل الأحوال ستكون جميع الخيارات المطروحة آنفا غير متفق عليها ؛لأنها كلها طرحت في حوارات  الهيأة التأسيسية وتم التوصل لآلية مغايرة أرضت جميع الاطراف .

  • ما هي الصلاحيات التي سوف تمنح للرئيس وفي كل الأحوال ستكون مستوحاة من الإعلان الدستوري الذي سيقيد الرئيس بأن تمنح حكومته الثقة من مجلس النواب دون غيره ومن ثم أصبح الرئيس مقيداً بإرادة أعضاء النواب الذين بلا شك سيعوزهم النضج السياسي ، وتكريس استقطابهم لأطراف الصراع.
  • المنتج المتوقع حكومة غير مستقرة رئيس ضعيف غير قادر على حلحلة المعضلات التي تواجها ليبيا ومن أكبرها وجود الفساد المستشري،ونشاط الأرهاب سجل تقرير الشفافية الدولية عام 2010م بأن  ليبيا الدولة 148 أي: تتبوأ مركزاً متقدما من الفساد فما بالك الآن بعد  أن انهارت مؤسسات الدولة وتعددت مشاربها  فإن سيسفر عن عدم وجود تنمية حقيقية تنتشل الشعب الليبي من محنته.
  • سيقف الإعلان الدستوري حائلاً حقيقياً  دون إنتاج رئيس حقيقي يعول عليه الشعب في رفعه من كبواته السياسية،والاقتصادية ..
  • المؤتمر الجامع أو الملتقى الوطني :

جاء في كلمتكم السامية بخصوص الملتقى الوطني الآتي:

” وأصر على أن يكون الملتقى شاملاً،وذلك من أجل إتاحة المجال لتبنّي ميثاق وطني حقيقي، وتوفير مباديء توجيهية للتشريع اللازمة لإنهاء المرحلة الانتقالية فمثل هذا المؤتمر ضروري الآن أكثر من أي وقت مضى في ضوء تجدد التهديدات التي تشكلها السلطات الموازية للوحدة الوطنية.”

لا ريب بأن إيجاد حل ناجع للإشكاليات الليبية هدفاً سامياً سعت من أجله الهيأة التأسيسية لمدة زمنية قاربت أربع سنوات،بعدد من الأعضاء لا يتجاوز عددهم 58عضواً وهؤلاء الأعضاء تم انتخابهم بطريقة ديمقراطية لم يتخللها أي خلل معيب بمسارها الإجرائي المحتكم الى الإعلان الدستوري والقانون المنظم لشأنها.

أعضاء على وعي عميق بمهمتهم التي ألقيت على عواتقهم وهي إعداد مشروع دستور ينظم ويقيد السلطات في أطر ديمقراطية،تبنى في مساره منهجية الديمقراطية التوافقية: المرتكزة على عدة أسس أولها ضمان وحدة البلد ،توزيع المقاعد والمصالح أفقياً،وأخرها حق النقض المتبادل.

  الشاهد:

هل بإمكان المؤتمر الوطني أن يضطلع  بمثل هذه النتائج التوافقية ؟

أقولها بكل ثقة لا يستطيع هذا المؤتمر المزمع عقده الوصول لنتائج إيجابية ترجع أسبابها إلى المعوقات موضوعيه ستكون على النحو الاتي:

  • عدد أعضاء الملتقى الذي سيكون كبيراً في عدده كونه؛ لا يمكن اختصاره في حال عقده على نخبة مختارة،وإذا جاء على شكل نخب شعبية،أو مهنية سيعتبره الكثير بأنه يمثل من يحضرونه وكم سيكون العدد اذا اختيرت قبائل دون أخرى،أو أصحاب رأي دون غيرهم ،أو أصحاب توجهات دون غيرهم .
  • الوصول الى توافق بين عدد كبير يكون صعب المنال هذا ما أسفرت عنه نتائج البحوث في هذا الإطار “كلما زاد عدد المجتمعين أصبح الوصول الى قرار مشترك صعباً “،ولعل الهيأة التأسيسية البولندية عقب ثورة العمال المكوَنة من 500 عضو خير دليل على عدم توافقها لأنها عجزت عن الوصول إلى دستور توافقي مما أدى إلى استبدالها بلجنة من خمسين عضواً ومن ثم توصلت الى دستور توافقي.
  • في حال إسناد مهام مفصلية أو مباديء توجيهية تشريعية للملتقى ستكون الطامة كبرى،والحدث جللاً، فكيف لملتقى يجمع جمعاً غفيراً من كل الطبقات التعليمية المهنية أن يخوض،أو يصل الى نتائج توافقية،تتطلب تحديد الظروف التي تقف وراء أسباب الاختلاف والاتفاق ،وشروط الاستقرار،والتغيير ،والعلاقة بين الأبنية الرسمية،وغير الرسمية ومظاهر الاستقرار،وعدم الاستقرار،وتوزيع السلطة ،واتخاذ القرار،والقيادة .
  • كيف للملتقى أن يحصر المتغيرات التي تدخل في تحديد النظام السياسي من الصعب حصرها على وجه الدقة فضلا عن صعوبة قياسها كمياً وتباينها،وطبيعتها المتغيرة تضيف صعوبات أخرى ،خصوصاً نتيجة ارتباطها بظروف اقتصادية،أو اجتماعية يتعذر قياس بعضها.

 3-  الجانب الاجتماعي  والانساني والاقتصادي :

سوف أتحدث باختصار عن هذا الجانب رغم اهميته أعتقد أن لا أحد يخفى عليه الوضع الانساني المتردي للمواطن الليبي الذي يتمحور حول  رصد انتهاك  حقوقه لاسيما في ركنيين إنسانيين هما عمليات الخطف ،والابتزاز،وعمليات التصفيات التي تحدث خارج الاطار الرسمي كل هذه التصرفات تتعلق بحق الإنسان بصفة عامة والليبي بصفة خاصة؛لأن هذه التصرفات تحدث في بلده والتي طالما انتظر منها احترام انسانيته.

ومن ثم لا يمكن التعويل على ملتقى يحدث جديداً إلا في إطار نظري دون أن يكون  له قدم صدق في الإطار العملي .

في ضوء الوضع الانساني تعددت الانتهاكات وتباينت أساليبها :

  • وجود تنظيمات مليشياوية إرهابية لا تخضع للحكومات المتعددة بل تبتزها.
  • انتهاك حق الحياة .وحق التنقل ،وحق المساواة وغيرها.
  • تهديد العلاقة الوطيدة الارتباطية بين الديمقراطية،وحقوق الانسان ،فلاوجود للديمقراطية بدون احترام لحقوق الانسان.

 الجانب الاقتصادي :

  • أبرز الجوانب المؤثرة في الاقتصاد  هو الفساد  تتحدث عنه الإحصاءات بشكل واضح ومقنع ،كما تحدث سيادتكم: عندما وصفته “بأنه سلب ممنهج”.
  • تقرير ديوان المحاسبة 2017م والذي تحدث عنه رئيس ديوان المحاسبة في مؤتمر صحفي يغني عن كل حديث فيه.
  • التفاوت الاقتصادي والذي يعني انعدام العدالة الاجتماعية التي يعبر عنها بإزالة الفوارق الاقتصادية بين أبناء الشعب فالتفاوت الاقتصادي خاصة إذا كان حاداً لا يهدد التماسك الاجتماعي فحسب،بل يؤثر سلباً في مبدأ المساواة السياسية الذي تعبر عنه الديمقراطية.

 الجانب الدستوري:

إن محاولة الاصلاح الشامل في أوضاع أي دولة لابد أن تثير البحث في طريقة ممارسة السلطة في هذه الدولة الدستور هو المرشد لشؤون الحكم  لذلك فإن الحديث عن الاصلاح لا يتم بغير البحث في موضوع الدستور،وما اذا كان الدستور يمثل إطاراً لهذا الإصلاح.

يعد مشروع الدستور الليبي ديمقراطياً وهو الحد الفاصل بين الديمقراطية وغيرها ويكون الدستور ديمقراطياً في طريقة وضعه وفي طريقة  إلغائه،و محتواه فالدستور لا يكون ديمقراطياً إلا إذا وضعته هيأة تأسيسية منتخبة ديمقراطياً.

قيم تضمنها مشروع الدستور:

  • السيادة كاملة للشعب ،والشعب هو مصدر السلطات.
  • عكس في نصوصه التوافق والتوازن الوطني ،ويراعي حقوق الأقليات.
  • يُمكن الشعب من ممارسة حقه في اختيار وتغيير الحكام والسياسات ويؤمن التداول السلمي للسلطة والحيلولة دون احتكارها.
  • أرسى دولة القانون وتأكيد سيادة القانون والمساواة فيه وأمامه دون تمييز.
  • تأكيد المواطنة المتساوية بين الليبيين كافة.
  • تمتع كل السكان بجنسية الدولة دون تمييز في الحقوق والواجبات.
  • الفصل الكامل بين السلطات دون تمكين السلطة التنفيذية من ممارسة الضغط ،والتدخل في شئوون السلطتين التشريعية ،والقضائية .
  • ضمان الحقوق العامة ،والخاصة .
  • حق تكوين منظمات المجتمع المدني دون قيود من السلطات .
  • وجود مؤسسات للرقابة على أعمال الحكومة سميت بالهيآت المستقلة لا سلطان للسلطة التنفيذية عليها في حال تأسيسها أو حلها مسؤوليتها فقط أمام السلطة التشريعية من خلال تقديم تقريرها،أو إخضاعها للأدوات الرقابية المعروفة أمام مجلس النواب.
  • ترسيخ قضاء حر مستقل وتتأكد فعاليته حسب دوره الايجابي في ضمان دستورية القوانين وتحقيق المساواة العادلة بين المواطنين.
  • أعطى اهتمام أكبر للصلات بين الديمقراطية والتنمية والوفاء بالاحتياجات الإنسانية والاعتراف بأن الديمقراطية تشمل ممارسة المجموعة الكاملة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية.
  • تكريس آليات العدالة الانتقالية بمجموعة من الأسس التي تعبر بالمجتمع من تسلطي إلى آخر ديمقراطي.

الحاصل: ان مشروع الدستور يعد خارطة لإيجاد الحلول لكل الإشكاليات الليبية،هذا الجهد المضنى والذي تم إعداده في وقت يُعد من أفضل الأوقات لكتابة الدساتير الديمقراطية ومرجعية ذلك الى الآتي :

استرشاداً بقولكم بداية :

 “كما يجب أن يكون هناك إطار دستوري واضح. فقد تم انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور وتم تفويضها بوضع دستور جديد وقد انجزت مسودتها وهنا أحيي الثبات الذي تحلّت به الهيئة إزاء الضغوط التي واجهتها وأدين التهديدات الموجهة ضد أعضاء الهيئة والآن لابد للعملية الدستورية من أن تمضي قدماً.”

  • عدم وجود حكم شمولي يملي تطلعاته على أعضاء الهيأة كما حدث في الموجة الثالثة للديمقراطية(1974 – 1992 ) والتي احتوت بلداناً عربية نعتت بأنها ديمقراطية ادعت كتابة دساتير ديمقراطية في وقت السلم والاستقرار كمصر وتونس وغيرها فما برحت حتى ثارت عليها شعوبها.  
  • أعضاء هيأة منتخبون شعبياً،ودستور يصدره الشعب من خلال استفتاء.
  • مشروع دستور كتبه الشعب من خلال التواصل معه بطرق عدة منها منظمات المجتمع المدني أو لقاءات حوارية،أو عقد مؤتمرات علمية مع الجامعات الليبية،ومراكز أبحاثها.
  • صدور حكم بات من المحكمة العليا يؤيد النواحي الإجرائية لإصدار مشروع الدستور.
  • استحقاق دستوري للشعب الليبي ليقول كلمة الفصل من خلال الاستفتاء بنعم أو لا.
  • تصور حلول للأزمة الليبية :
  • صدور قانون الاستفتاء ليحدد الشعب الليبي خياراته التي يريدها .
  • في حال عدم تمكن أعضاء مجلس النواب من الاجتماع في طبرق؛لأي سبب كان يحق لمجلس النواب عقد جلسة له في أي مدينة ليبية ونقترح مدينة غدامس.
  • ينعقد الملتقى الوطني لخلق آلية للمصالحة الوطنية وضع أسس تفصليه للعدالة الانتقالية.

 

                                               تقبلوا فائق الإحترام والتقدير.

                                                                                      د. مراجع علي نوح

                                                                             عضو الهيأة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور         

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.