من وحي معركة طرابلس الثالثة…واشنطن تؤذن وحملة السلاح يكبرون

[post-views]
19

بوابة ليبيا الاخباري 

من وحي معركة طرابلس الثالثة واشنطن تُؤَذِّن للدولة المدنية الديموقراطية الحديثة وحملة السلاح في ليبيا (جيش مجلس النواب وجيش حكومة الوفاق) يكبرون! .

أتفهم موقف أصحاب الاستحقاقات (جيش البرلمان وجيش الوفاق) من الاقتتال الدائر في محيط طرابلس منذ أيام ومن المؤكد أنني لا أقره! ورغم يقيني بأن الأطراف المتقاتلة لا يقبلون النصيحة ذلك أن على قلوب معظمهم ” أكنة … وفي آذانهم وقرا” فإن ما يدور في محيط طرابلس حفزني على كتابة منشور غير موجه للمتقاتلين وإنما للناطقين باسمهم!.

ودرءا للإطالة سأتوجه بالسؤال لأنصار الطرفين (من مثقفين، وإعلاميين ومحللين سياسيين وعسكريين):

من يرعى في اعتقادكم عملية الاقتتال الدائر الآن في محيط طرابلس؟ فالزج باسم الإمارات والسعودية ومصر من ناحية وقطر وتركيا من ناحية أخرى يؤكد أن معظمكم لم يع بعد أن من يقف وراء اقتتال “الإخوة الأعداء” في محيط طرابلس لا علاقة له بمصالح البلدان المشار إليها ولا علاقة له بالصراع الإيطالي- الفرنسي المزعوم بل له علاقة باستراتيجية تتولى إدارة دفتها “جارة كندا “؛ فـ”جارة كندا”والتي أبدت بعد الحرب العالمية الثانية حرصا كبيرا على الانتصاب في ليبيا لم تكن تهدف بحرصها هذا فصل منطقة نفوذ بريطانية(مصر) عن منطقة نفوذ فرنسية (بلدان الشمال الأفريقي)وحسب،بل وكانت تهدف إلى مصادرة أملاك حلفائها (فرنسا وبريطانيا)بمساعدة محلية (الانقلابات العسكرية)في القارة الأفريقية؛لذا ووفقا لهذه الاستراتيجية ما كان لـ”جارة كندا” أن تسمح لإيطاليا وفرنسا أن تتدخلا في ليبيا (الشاطئ الرابع لجنوب أوربا) ولا للكمبرادوريات،قطر والسعودية والإمارات التي اقترن ظهورها بسلعة(النفط)،بالتدخل في الشأن الليبي إلا بإذن!هذا أولاً.

أما ثانيا فإن قرار واشنطن بالتدخل في الشأن الليبي بشكل معلن،منذ تعيين ستيفاني وليامز نائبة للمبعوث الأممي لدى ليبيا،سببه أن صناع القرار في اشنطن أيقنوا بعد ثلاث سنوات من مخاض التسوية السياسية أنه لن يكتب لهذه الأخيرة أي نجاح إلا بعد توحيد كلمة حملة السلاح!لذا فإن عملية غزو طرابلس الآن التي أتت بعد عمليات جس نبض آخرها محاولة غزو طرابلس أغسطس الماضي لم يكن هدفها الإطاحة بحكومة الوفاق أو استئصال المليشيات/الإرهاب/سراق المال العام وإنما وببساطة شديدة إرغام جيش الوفاق على توحيد كلمته! فما كان لهؤلاء ان يتوحدوا إلا في وجود “عدو مشترك”؛من ذلك فإنه وبعد أقل من يومين من بدء العملية العسكرية توحدت الصفوف بالفعل ضد “غزو خارجي” يقوده طرف يسوّق لأنصاره ولغير أنصاره أن هدف العملية اجتثاث “الإرهاب” و”لصوص المال العام” من العاصمة! في تقديري لن يكون في مقدور أمريكا أن تحكم ليبيا مجددا من دون لصوص لمال عام وإرهابيين! وهذه الإستراتيجية بالمناسبة لا تخدم” جارة كندا” وحسب بل وتخدمنا أيضا ذلك اننا في معظمنا لا نستهجن سرقة المال العام ولا الأعمال الإرهابية!.

ولأن الجيشين غير قادرين على حسم المعركة في أيام قليلة،ومن دون مساعدة أطراف خارجية فإن هذه الوضعية المأزومة ستسهم في تمكين “جارة كندا” لاحقا من إجبار الطرفين المنهكين،عبر وكلائها على قبول عرض (على طريقة زعيم عائلة كورليوني الإيطالية إحدى أقوى عائلات المافيا في نيويورك فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية) لا يمكنهما رفضه! “فجارة كندا” لا يعنيها كثيرا الشعب الليبي أو من يمثله(حكومة مؤقتة أو حكومة وفاق، مجلس نواب أو مجلس أعلى للدولة)،فجميع هذه الأجسام في نظرها مكونة من رعاع /مهمشين/محدثي نعمة كما هو حال حكام وشعوب البلدان العربية النفطية؛فليبيا ومعظم البلدان العربية،يقول الصحفي الأمريكي فريدمان،ليست دولا بل هي” قبائل بأعلام “!.

وبعيدا عن نظرية المؤامرة فإن حرص “جارة كندا” على حماية مصالحها،ولا أرى في ذلك غضاضة بالمناسبة فوظيفة الدول الذود على مصالحها،جعلها لا تتردد في إيذاء الصديق حين تستشعر خطرا يهدد هيمنتها؛المجال لا يسمح بذكر الحروب التي شنتها هذه الجارة على حلفائها لذا سأكتفي بالإشارة إلى حرب الموز التي دارت بين الأوربيين و” جارة كندا” من أجل الهيمنة على سلعة لا ينتجها الطرفان! ففي سنوات الحرب (1992- 2001 ) فرضت أمريكا على حلفائها،وبدعم من المنظمة العالمية للتجارة، ضريبة قدرها 191مليون دولار على سلعهم المختلفة؛لذا فرجائي من الإخوة المحللين أن يعوا بأن “جارة كندا “لن تسمح لأطراف تعتبرهم رعاعا أن يقرروا أمرا،انهاء المعركة الدائرة الآن مثلا، ذلك أن معركة طرابلس لا تخدم الليبيين وإنما تخدم استراتيجية “جارة كندا” القائمة من ناحية على مضاعفة الإحساس بالإحباط/الهزيمة لدى الليبيين الذين تجرؤوا وأسهموا في تغيير(فبراير 2011)،ونقل هذا الإحساس من ناحية أخرى للشعبين السوداني والجزائري!.

وأزعم أن موقع ليبيا،أي وقوعها بين السودان والجزائر،قد يفسر وإلى حد كبير حرص “جارة كندا” على ضرورة استمرار الاقتتال إلى حين شريطة ألا يكون هناك غالب أو مغلوب! وهذه الفرضية تسندها الكثير من الشواهد (الحرب العربية الإسرائيلية مثلا في أكتوبر1973) لكني أرى ان الاستشهاد بالحرب العراقية الإيرانية يسلط بشكل أفضل الضوء على الحرب الدائرة في محيط طرابلس! فعلى الرغم من أن “جارة كندا”، ولأسباب مختلفة كانت حريصة على أن تهزم إيران،فإنها كانت وفي ذات الوقت لا ترغب في رؤية العراق منتصرا! فبعد أن سيطرت إيران على جزيرة الفاو سنة 1987،قررت “جارة كندا” تقديم المزيد من الدعم للعراق مبررة ذلك،وعلى لسان مساعد وزير دفاعها( ريتشارد أرميتاج)،بأنه وبينما لا تريد “أمريكا أي منتصر في هذه الحرب فإنها لا تستطيع رؤية العراق مهزوما”! بناء عليه ومن منظور أن صناع القرار في واشنطن لا يرون غير مصالحهم فإن نصيب الآخر، سواء أكان حليفا/دولة صديقة أم تابعا/قبيلة بعلم،هو تبرير/ أو السكوت عن أعمالها! فالسياسة تعني أيضا تبرير الجريمة!!.

أخيراً

لو افترضنا بالنسبة لمنحنيات معركة طرابلس وكما يفترض أنصار جيش البرلمان بأن هذا الأخير سينتصر في محيط طرابلس فهل ستسمح له أمريكا بالدخول إلى العاصمة أم أنها ستجبره على الانسحاب؟وماذا لو انهزم الجيش فهل ستسمح أمريكا لجيش الوفاق بعد طرده من محيط طرابلس بملاحقته إلى الجنوب؟ أم أنها ستقوم بمعاقبة من يجرؤ على مخالفتها الرأي كما تفعل مع مقاتلي الدولة الإسلامية؟ إن جرائم المتقاتلين(جرائم الحرب وانتهاك حقوق الإنسان وسرقة المال العام وتهريب النفط) موثقة وأزعم أن النسخ الأصلية لهذه الجرائم وغيرها من الجرائم التي يضيق المجال بذكرها مدفونة في خزائن مخابرات “جارة كندا” وسيتم إظهارها واستخدامها ضد أي طرف يرفض التسوية على طريقة الدون كورليوني!


البرفسور محمود أبوصوة

كاتب ليبي

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.