أمريكا تسعى للهيمنة على ليبيا بمحاصرتها من الجنوب أيضا

[post-views]
73

بوابة ليبيا الاخباري 

نشرت مجلة “ذي إنترسبت” مقالة بعنوان “الولايات المتحدة الأمريكية تبني قاعدة عسكرية جوية للطائرات بدون طيار في شمال النيجر”… بالقرب من الحدود الليبية الجزائرية، وجاء في المجلة: إنها تعتبر أكبر قاعدة أجنبية في أفريقيا، وبأنها تكلف 110 مليون دولار.والذي يقوم بإنشائها هو الجيش الأمريكي وقوات “أفريكوم” الأمريكية. وبأن العمل في القاعدة يسير بوتيرة متسارعة، وبأنه سوف ينتهي من إنجاز العمل بها خلال هذه السنة 2018، وهي تقع في الجزء الصحراوي الشمالي من النيجر قريبة من مدينة “أغاديز”، التي تعتبر مركزاً تجارياً مهماً لعقود عديدة.

والقاعدة في هذه المنطقة تعتبر قريبة من الحدود مع كل من (مالي، والجزائر، وليبيا، وتشاد). وأمريكا تعمل جاهدة على توقيع اتفاقيات أمنية مع هذه الدول كلها، تحت عنوان “محاربة الإرهاب”، في مسعى حثيث للسيطرة على هذه الدول، وبالتالي طرد النفوذ الفرنسي المتجذر فيها، والغنية بكل المواد الأولية اللازمة لصناعاتهم أو على أقل ما يمكن أن تحصل عليه من تقاسم النفوذ والمنافع مع فرنسا في هذه البلاد.

وقد بدأت أمريكا في سبيل مشروعها هذا منذ سنوات، نتذكر ذلك التصريح الذي جاء على لسان مسؤول جزائري منذ أكثر من سنتين عندما صرح بأن أمريكا طلبت من الجزائر السماح لها بإنشاء قاعدة جوية في جنوب الجزائر بحجة “مراقبة الحدود الليبية الجنوبية لملاحقة الحركات الإرهابية” – حسب تصريحه -، وقد رفضت الجزائر ذلك، وأمريكا قدمت نفس الطلب للدولة التونسية، غير أن الحكومة التونسية كذلك عرضت قاعدة للجيش التونسي على سبيل الإعارة، إلا أن الاتفاق أُلغي بعد أن خرجت من القاعدة طائرات لكيان يهود وحلقت في الأجواء الجزائرية مما أثار أزمة مع الجزائر.

وقد أبرمت أمريكا – في سبيل تنفيذ خطتها – اتفاقيات أمنية مع حكومة السراج تعطي أمريكا الحق بمطاردة من تراه، وبحيث تتحرك بحرية في الأجواء الليبية طولا وعرضا، فقد قامت في الشهر الماضي بقصف تجمعات عسكرية في الجنوب قيل إنها عناصر إرهابية لتنظيم الدولة!!! وصرح السراج بعد ذلك بأن القصف تم بالتنسيق مع حكومته. وأمريكا في ذلك تستغل ما تقوم به فرنسا من نشر أخبار – يعلم الله حقيقتها – عن وجود منظمات إرهابية من مثل “تنظيم الدولة في بلاد المغرب” و”تنظيم أنصار الدين”، و”تنظيم بوكو حرام”، وبذلك تتوفر الذريعة لهذه الدول الاستعمارية للتواجد في هذه البلاد مع قيام حكامها العملاء بالطلب من هذه القوى الاستعمارية النزول في البلاد واستقدام القوات لاستعمار هذه البلاد من جديد بحجة مكافحة (الإرهاب).

وبإنشاء هذه القاعدة والتي سوف تتبع باتفاقيات أمنية مع سلطات البلاد المجاورة لها، وبهذه الاتفاقية التي وقعها السراج مع أمريكا وإعطائها الحق في التواجد في الأجواء الليبية، وقد يقدم على إعطائها حق التواجد على الأراضي الليبية… بهذا كله تصبح ليبيا في عين العاصفة وفي ملحمة الصراع بين الدول الاستعمارية، ووقود هذا الصراع سيكون هم قوى هذا الشعب الذي رُزئ بسياسيين عديمي الفائدة، لا يهمهم إلا ضمان وجودهم في مواقع السلطة وأبواب نهب المال العام متغاضين عما يحصل في البلاد.

مع ملاحظة أن أمريكا هي واحدة من العديد من الدول الغربية التي أبرمت اتفاقيات عسكرية وأمنية مع حكومة النيجر على مدى السنوات القليلة الماضية. ويشار هنا إلى أن لدى فرنسا جنودا في هذه البلاد منذ عام 2015م. وأعادت فرنسا فتح الحصن الاستعماري في منطقة “مداما” بالقرب من الحدود الليبية، وأعلنت إيطاليا مؤخرا أنها سترسل 470 جنديا إلى قاعدة فرنسية في شمال النيجر علما بأنه “تبلغ مساحة القاعدة الأمريكية الجديدة ستة كيلومترات مربعة”.

ويصبح التساؤل هنا ملحاً لدى أهلنا في ليبيا وكل مخلص عن الأهداف الحقيقية وراء إنشاء هذه القاعدة وما سبقتها من قواعد لفرنسا في هذه المنطقة بالذات، ولن نجد صعوبة في الحصول على إجابة مقنعة وشافية لهذا التساؤل عن هذه الحشود الغربية في هذه المنطقة، مما يرجح ما قلناه في مقدم هذا المقال من أن ليبيا ستكون في عين العاصفة في سباق محموم من فرنسا على احتلال الجنوب الليبي وسباق محموم من أمريكا للهيمنة على ليبيا بالكامل، ولعل هذه الأهداف هي التي تكمن خلف التفجير الأخير لمبنى المفوضية العامة للانتخابات في طرابلس من أجل ضرب الرأي العام المهيمن على البلاد بضرورة الذهاب إلى الانتخابات العامة والتي قد تحول دون الترتيبات الفرنسية والأمريكية من إشاعة الفوضى في البلاد وإشعال حرب مدمرة على (الإرهاب) المصنوع في أقبية الغرب نفسه.

ولا بد من إدراك أهمية اهتمام أمريكا بأفريقيا وتوجيه دفة الحضور العسكري والسياسي تجاهها فهو يعود في المقام الأول إلى امتلاك أفريقيا ما يقرب من نصف مخزون المواد الأولية في العالم اللازمة لصناعة الغرب. وثانيا إلى ما يمثله موقع أفريقيا الجغرافي في العالم من قرب لأوروبا وأمريكا ومن إشرافه على طرق التجارة الدولية؛ بإطلال أفريقيا على باب المندب في الصومال وقناة السويس في مصر والموانئ المفتوحة في غرب أفريقيا والجنوب الأفريقي والجنوب الغربي لأفريقيا، وهي في أغلبها لا تقع عند أمم وشعوب يصعب السيطرة عليها، فهي شعوب متخلفة وقابلة للاستعمار من جديد بل ومستعدة للاستعباد مرة أخرى، ويشكل الإسلام عامل خطورة على مصالح الغرب فيها، ولذلك يستمر مسلسل صناعة الحركات المشبوهة التي تقوم بأعمال بشعة تستمر في تشويه الإسلام والإخافة منه.

وبالمجمل ليست فرنسا وحدها التي تهدد الجنوب الليبي والأراضي الليبية، بل أمريكا هي التهديد الأكبر لذلك بسبب القدرات الهائلة التي تمتلكها والاتفاقيات التي أبرمتها مع السراج ووجودها المتركز في المنطقة الشرقية عبر مليشيات حفتر والدعم المصري اللامحدود لهذه المليشيات. فها هي ثمار السياسة الأمريكية في ليبيا تطل علينا بتفجير مروع لمقر المفوضية الليبية للانتخابات موقعاً ضحايا بريئة، وقد ملأ البلاد في أجواء “اللاأمن” حتى يصبح السير في اتجاه الانتخابات أمرا مشكوكا فيه، وهذا ما تريده أمريكا من أجل إبعاد هدف وحدة البلد ولملمة الوضع السياسي فيه. وهذا يكشف عن حالة الانزعاج الأمريكي من الأجواء التي سادت في فترة غياب حفتر عن المشهد من عمل محلي دؤوب لإبرام مصالحات خيّرة بين قوى البلاد المتصارعة، كما هي في مصالحة الزنتان مع مدينة الزاوية ومصالحة الزنتان مع مدينة مصراتة ومصالحات بني وليد ومصالحة قبائل العيدات مع ثوار مدينة درنة المجاهدة، وما كان يحضر له من إجراء مصالحات أخرى، وقد كانت كل هذه المصالحات بمعزل عن خطط الغرب وخطط بعثة الأمم المتحدة، وبالتالي كانت مخلصة مئة بالمئة. فجاء تصريح منسوب إلى حفتر بعد مسرحية رجوعه يدعو فيه إلى الوقوف مع الجيش “مليشياته” وأن لا مستقبل للانتخابات في ليبيا!

وقد كان لقاء عقيلة صالح مع خالد المشري في الصخيرات متناغما مع جو المصالحات في البلاد، وأكد ذلك تصريح عقيلة بأنه مع انتخابات رئاسية في أيلول/سبتمبر القادم، وهذا ما أظهر حقيقة انعدام الوفاق بين عقيلة صالح وحفتر، وبالتالي بداية خروج عقيلة صالح عن طاعة مصر وحفتر واحتمائه بدولة الإمارات والتنسيق معها في المسألة الليبية بما تمثله الإمارات من وكالة للقوى الكبرى الداعمة لها في ليبيا.

والذي يهمنا هنا هو القناعة التي بدأت تتشكل لدى معظم أهل ليبيا بأن التقاتل لم يعد يفيد أحدا من أهل البلاد، بل إنه أمر فظيع ومحرم ولا طائل منه وهو مناخ صالح للأعداء في التدخل في شؤون البلاد والسيطرة عليها. وبالتالي كانت المصالحات في المدة الماضية بشرى خير، ويجب أن لا يوقفها تكالب الأعداء ومؤامراتهم، وضرورة الاستجابة لأمر الله تعالى الوارد في كتابه الكريم ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: 9-10]


بقلم: الأستاذ أحمد المهذب

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.